(يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ) : تقرير لما يقع في النفوس من التعجب والاستغراب من خبر الملائكة أولي أجنحة ، أي ليس هذا ببدع في قدرة الله ، فإنه يزيد في خلقه ما يشاء ، والظاهر عموم الخلق. وقال الفراء : هذا في الأجنحة التي للملائكة ، أي يزيد في خلق الملائكة الأجنحة. وقالوا : في هذه الزيادة الخلق الحسن ، أو حسن الصوت ، أو حسن الخط ، أو لملاحة في العينين أو الأنف ، أو خفة الروح ، أو الحسن ، أو جعودة الشعر ، أو العقل ، أو العلم ، أو الصنعة ، أو العفة في الفقراء ، والحلاوة في الفم ، وهذه الأقوال على سبيل التمثيل لا الحصر. والآية مطلقة تتناول كل زيادة في الخلق ، وقد شرحوا هذه الزيادة بالأشياء المستحسنة ، وما يشاء عام لا يخص مستحسنا دون غيره. وختم الآية بالقدرة على كل شيء يدل على ذلك ، والفتح والإرسال استعارة للإطلاق ، (فَلا مُرْسِلَ لَهُ) مكان لا فاتح له ، والمعنى : أي شيء يطلق الله.
(مِنْ رَحْمَةٍ) : أي نعمة ورزق ، أو مطر ، أو صحة ، أو أمن ، أو غير ذلك من صنوف نعمائه التي لا يحاط بعددها. وما روي عن المفسرين المتقدمين من تفسير رحمة بشيء معين فليس على الحصر منه ، إنما هو مثال. قال الزمخشري : وتنكير الرحمة للإشاعة والإبهام ، كأنه قال : من أية رحمة كانت سماوية أو أرضية ، فلا يقدر أحد على إمساكها وحبسها ، وأي شيء يمسك الله فلا أحد يقدر على إطلاقه. انتهى. والعموم مفهوم من اسم الشرط ومن رحمة لبيان ذلك العام من أي صنف هو ، وهو مما اجتزئ فيه بالنكرة المفردة عن الجمع المعرف المطابق في العموم لاسم الشرط ، وتقديره : من الرحمات ، ومن في موضع الحال ، أي كائنا من الرحمات ، ولا يكون في موضع الصفة ، لأن اسم الشرط لا يوصف. والظاهر أن قوله : (وَما يُمْسِكْ) عام في الرحمة وفي غيرها ، لأنه لم يذكر له تبيين ، فهو باق على العموم في كل ما يمسك. فإن كان تفسيره (مِنْ رَحْمَةٍ) ، وحذفت لدلالة الأول عليه ، فيكون تذكير الضمير في (فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ) حملا على لفظ ما ، وأنث في (مُمْسِكَ لَها) على معنى ما ، لأن معناها الرحمة. وقرىء : فلا مرسل لها ، بتأنيث الضمير ، وهو دليل على أن التفسير هو (مِنْ رَحْمَةٍ) ، وحذف لدلالة ما قبله عليه. وعن ابن عباس : (مِنْ رَحْمَةٍ) : من باب توبة ، (فَلا مُمْسِكَ لَها) : أي يتوبون إن شاؤوا وإن أبوا ، (وَما يُمْسِكْ) : من باب ، (فَلا مُرْسِلَ لَهُ) من بعده ، فهم لا يتوبون. وعنه أيضا : (مِنْ رَحْمَةٍ) : من هداية. قال الزمخشري : فإن قلت : فما تقول فيمن فسر الرحمة بالتوبة وعزاه إلى ابن عباس؟ قلت : أراد بالتوبة : الهداية لها والتوفيق فيها ، وهو الذي أراده