إلى الركن الآخر ، فوجدها حتى استدار بالمركب وهي لا تفارقه ، فعلم أن ذلك من عند الله ، فترامى إليها فالتقمته. ففي قصة يونس عليهالسلام هنا جمل محذوفة مقدرة قبل ذكر فراره إلى الفلك ، كما في قصته في سورة الأنبياء في قوله : (إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً) (١) هو ما بعد هذا ، وقوله : (فَنادى فِي الظُّلُماتِ) (٢) ، جمل محذوفة أيضا. وبمجموع القصص يتبين ما حذف في كل قصة منها.
(فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ) : من المغلوبين ، وحقيقته من المزلقين عن مقام الظفر في الاستفهام. وقرىء : (وَهُوَ مُلِيمٌ) ، بفتح الميم ، وقياسه ملوم ، لأنه من لمته ألومه لوما ، فهو من ذوات الواو ، ولكنه جيء به على أليم ، كما قالوا : مشيب ومدعى في مشوب ، ومدعو بناء على شيب ودعى. (مِنَ الْمُسَبِّحِينَ) : من الذاكرين الله تعالى بالتسبيح والتقديس. والظاهر أنه يريد ما ذكر في قوله في سورة الأنبياء : (فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) (٣). وقال ابن جبير : هو قوله سبحان الله. وقالت فرقة : تسبيحه صلاة التطوع ؛ فقال ابن عباس ، وقتادة ، وأبو العالية : صلاته في وقت الرخاء تنفعه في وقت الشدة. وقال الضحاك بن قيس على منبره : اذكروا الله في الرخاء يذكركم في الشدة ، إن يونس كان عبدا ذاكرا ، فلما أصابته الشدة نفعه ذلك. قال الله عزوجل : (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ). وقال الحسن : تسبيحه : صلاته في بطن الحوت. وروي أنه كان يرفع لحم الحوت بيديه يقول : لأبنين لك مسجدا حيث لم يبنه أحد قبلي.
وروي أن الحوت سافر مع السفينة رافعا رأسه ليتنفس ويونس يسبح ، ولم يفارقهم حتى انتهوا إلى البر ، فلفظه سالما لم يتغير منه شيء ، فأسلموا. والظاهر أن قوله للبث في بطنه إلى يوم البعث ، وعن قتادة : لكان بطن الحوت له قبرا إلى يوم القيامة. وذكر في مدة لبثه في بطن الحوت أقوالا متكاذبة ، ضربنا عن ذكرها صفحا. (وَهُوَ سَقِيمٌ) : روي أنه عاد بدنه كبدن الصبي حين يولد ، قاله ابن عباس والسدي. وقال ابن عباس ، وأبو هريرة ، وعمرو بن ميمون : اليقطين : القرع خاصة ، قيل : وهي التي أنبتها الله عليه ، وتجمع خصالا ، برد الظل ، ونعومة الملمس ، وعظم الورق ، والذباب لا يقربها. قيل : وماء ورقه إذا رش به مكان لم يقربه ذباب ، وقال أمية بن أبي الصلت :
__________________
(١) سورة الأنبياء : ٢١ / ٨٧.
(٢) سورة الأنبياء : ٢١ / ٨٧.
(٣) سورة الأنبياء : ٢١ / ٨٧.