الظُّلُماتِ) (١) ، وقاله الكسائي ، أي تقديره : تذهب نفسك عليهم حسرات لدلالة : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ). وقيل : التقدير : فرآه حسنا ، فأضله الله كمن هداه الله ، فحذف ذلك لدلالة : (فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ) ، وذكر هذين الوجهين الزجاج. وشرح الزمخشري هنا (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ) على طريقته في غير موضع من كتابه ، من أن الإضلال هو خذلانه وتخليته وشأنه ، وأتى بألفاظ كثيرة في هذا المعنى. وقرأ الجمهور : (أَفَمَنْ زُيِّنَ) مبينا للمفعول سوء رفع. وقرأ عبيد بن عمير : زين له سوء ، مبنيا للفاعل ، ونصب سوء ؛ وعنه أيضا أسوأ على وزن أفعل منصوبا ؛ وأسوأ عمله : هو الشرك. وقراءة طلحة : أمن بغير فاء ، قال صاحب اللوامح : للاستخبار بمعنى العامة للتقرير ، ويجوز أن يكون بمعنى حرف النداء ، فحذف التمام كما حذف من المشهور الجواب. انتهى. ويعني بالجواب : خبر المبتدأ ، وبالتمام : ما يؤدي لأجله ، أي تفكر وارجع إلى الله ، (فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) تسلية للرسول عن كفر قومه ، ووجوب التسليم لله في إضلاله من يشاء وهداية من يشاء. وقرأ الجمهور : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ) ، مبنيا للفاعل من ذهب ، ونفسك فاعل. وقرأ أبو جعفر ، وقتادة ، وعيسى ، والأشهب ، وشيبة ، وأبو حيوة ، وحميد والأعمش ، وابن محيصن : تذهب من أذهب ، مسند الضمير المخاطب ، نفسك : نصب ، ورويت عن نافع : والحسرة هم النفس على فوات أمر. وانتصب (حَسَراتٍ) على أنه مفعول من أجله ، أي فلا تهلك نفسك للحسرات ، وعليهم متعلق بتذهب ، كما تقول : هلك عليه حبا ، ومات عليه حزنا ، أو هو بيان للمتحسر عليه ، ولا يتعلق بحسرات لأنه مصدر ، فلا يتقدّم معموله. وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون حالا ، كأن كلها صارت حسرات لفرط التحسر ، كما قال جرير :
مشق الهواجر لحمهن مع السرى |
|
حتى ذهبن كلاكلا وصدروا |
يريد : رجعن كلا كلا وصدورا ، أي لم يبق إلا كلا كلها وصدورها ، ومنه قوله :
فعلى إثرهم تساقط نفسي |
|
حسرات وذكرهم لي سقام |
انتهى. وما ذكر من أن كلا كلا وصدورا حالان هو مذهب سيبويه. وقال المبرد : هو تمييز منقول من الفاعل ، أي حتى ذهبت كلا كلها وصدورها. ثم توعدهم بالعقاب على سوء صنعهم فقال : (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ) : أي فيجازيهم عليه.
__________________
(١) سورة الأنعام : ٦ / ١٢٢.