وهو مبتدأ ، ومن شكله في موضع الصفة ؛ وأزواج خبره ، أي ومذوقا آخر من شكل هذا المذوق من مثله في الشدة والفظاعة ؛ (أَزْواجٌ) : أجناس. وقرأ مجاهد : من شكله ، بكسر الشين ؛ والجمهور : بفتحها ، وهما لغتان بمعنى المثل والضرب. وأما إذا كان بمعنى الفتح ، فبكسر الشين لا غير. وعن ابن مسعود : (وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ) : هو الزمهرير.
والظاهر أن قوله : (هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ) ، من قول رؤسائهم بعضهم لبعض ، والفوج : الجمع الكثير ، (مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ) : أي النار ، وهم الأتباع ، ثم دعوا عليهم بقولهم : (مَرْحَباً بِهِمْ) ، لأن الرئيس إذا رأى الخسيس قد قرن معه في العذاب ، ساءه ذلك حيث وقع التساوي في العذاب ، ولم يكن هو السالم من العذاب وأتباعه في العذاب. ومرحبا معناه : ائت رحبا وسعة لا ضيقا ، وهو منصوب بفعل يجب إضماره ، ولأن علوهم بيان للمدعو عليهم. وقيل : (هذا فَوْجٌ) ، من كلام الملائكة خزنة النار ؛ وأن الدعاء على الفوج والتعليل بقوله : (إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ) ، من كلامهم. وقيل : (هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ) ، من كلام الملائكة ، والدعاء على الفوج والإخبار بأنهم صالوا النار من كلام الرؤساء المتبوعين. (قالُوا) أي الفوج : (لا مَرْحَباً بِكُمْ) ، رد على الرؤساء ما دعوا به عليهم. ثم ذكروا أن ما وقعوا فيه من العذاب وصلى النار ، إنما هو بما ألقيتم إلينا وزينتموه من الكفر ، فكأنكم قدمتم لنا العذاب أو الصلى. وإذا كان (لا مَرْحَباً بِهِمْ) من كلام الخزنة ، فلم يجىء التركيب : قالوا بل هؤلاء لا مرحبا بهم ، بل جاء بخطاب الأتباع للرؤساء ، لتكون المواجهة لمن كانوا لا يقدرون على مواجهتهم في الدنيا بقبيح أشفى لصدورهم ، حيث تسببوا في كفرهم ، وأنكى للرؤساء. (فَبِئْسَ الْقَرارُ) : أي النار ؛ وهذه المرادة والدعاء كقوله : (كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها) (١). ولم يكتف الأتباع برد الدعاء على رؤسائهم ، ولا بمواجهتهم بقوله : (أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا) ، حتى سألوا من الله أن يزيد رؤساءهم ضعفا من النار ، والمعنى : من حملنا على عمل السوء حتى صار جزاءنا النار ، (فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً) ، كما جاء في قول الأتباع : (رَبَّنا آتِهِمْ) ، أي ساداتهم ، (ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ) (٢) ، (رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ) (٣).
ولما كان الرؤساء ضلالا في أنفسهم وأضلوا أتباعهم ، ناسب أن يدعو عليهم بأن
__________________
(١) سورة الأعراف : ٧ / ٣٨.
(٢) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٦٨.
(٣) سورة الأعراف : ٧ / ٣٨.