ثم ما يليه وهو الحمأ المسنون ، ثم المادة تلي الحمأ وهو الصلصال ؛ وأما من عجل فمضى تفسيره.
(فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ ، فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ، إِلَّا إِبْلِيسَ) : تقدم الكلام على هذا في الحجر ، وهنا (اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) ، وفي البقرة : (أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) (١) ، وفي الأعراف : (لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) (٢) ، وفي الحجر : (أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) (٣) ، وفي الإسراء : (قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً) (٤) ، وفي الكهف : (كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) (٥). والاستثناء في جميع هذه الآيات يدل على أنه لم يسجد ، فتارة أكد بالنفي المحض ، وتارة ذكر إبايته عن السجود ، وهي الأنفة من ذلك ، وتارة نص على أن ذلك الامتناع كان سببه الاستكبار. والظاهر أن قوله : (وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) أريد به كفره ذلك الوقت ، وإن لم يكن قبله كافرا ؛ وعطف على استكبر ، فقوى ذلك ، لأن الاستكبار عن السجود إنما حصل له وقت الأمر. ويحتمل أن يكون إخبارا منه بسبق كفره في الأزمنة الماضية في علم الله.
(قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ) ، وفي الأعراف : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ) (٦) ، فدل أن تسجد هنا ، على أن لا في أن لا تسجد زائدة ، والمعنى أيضا يدل على ذلك ، لأنه لا يستفهم إلا عن المانع من السجود ، وهو استفهام تقرير وتوبيخ. وما في (لِما خَلَقْتُ) ، استدل بها من يجيز إطلاق ما على آحاد من يعقل ، وأول بأن ما مصدرية ، والمصدر يراد به المخلوق ، لا حقيقة المصدر. وقرأ الجحدري : لما بفتح اللام وتشديد الميم ، خلقت بيدي ، على الإفراد ؛ والجمهور : على التثنية ؛ وقرىء بيديّ ، كقراءة بمصرخي ؛ وقال تعالى : (مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا) (٧) بالجمع ، وكلها عبارة عن القدرة والقوة ، وعبر باليد ، إذ كان عند البشر معتادا أن البطش والقوة باليد. وذهب القاضي أبو بكر بن الطيب إلى أن اليد صفة ذات. قال ابن عطية : وهو قول مرغوب عنه.
وقرأ الجمهور : (أَسْتَكْبَرْتَ) ، بهمزة الاستفهام ، فأم متصلة عادلت الهمزة. قال
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٣٤.
(٢) سورة الأعراف : ٧ / ١١.
(٣) سورة الحجر : ١٥ / ٣١.
(٤) سورة الإسراء : ١٧ / ٦١.
(٥) سورة الكهف : ١٨ / ٥٠.
(٦) سورة الأعراف : ٧ / ١٢.
(٧) سورة يس : ٣٦ / ٧١.