ابن عطية : وذهب كثير من النحويين إلى أن أم لا تكون معادلة للألف مع اختلاف الفعلين ، وإنما تكون معادلة إذا دخلتا على فعل واحد ، كقولك : أزيد قام أم عمرو؟ وقولك : أقام زيد أم عمرو؟ فإذا اختلف الفعلان كهذه الآية ، فليست معادلة. ومعنى الآية : أحدث لك الاستكبار الآن ، أم كنت قديما ممن لا يليق أن تكلف مثل هذا لعلو مكانك؟ وهذا على جهة التوبيخ. انتهى. وهذا الذي ذكره عن كثير من النحويين مذهب غير صحيح. قال سيبويه : وتقول أضربت زيدا أم قتلته. فالبدء هنا بالفعل أحسن ، لأنك إنما تسأل عن أحدهما ، لا تدري أيهما كان ، ولا تسأل عن موضع أحدهما ، كأنك قلت : أي ذلك كان؟ انتهى. فعادل بأم الألف مع اختلاف الفعلين. (مِنَ الْعالِينَ) : ممن علوت وفقت. فأجاب بأنه من العالين ، حيث قال (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ). وقيل : استكبرت الآن ، أو لم تزل مذ كنت من المستكبرين؟ ومعنى الهمزة : التقرير. انتهى. وقرأت فرقة ، منهم ابن كثير وغيره : استكبرت ، بصلة الألف ، وهي قراءة أهل مكة ، وليست في مشهور ابن كثير ، فاحتمل أن تكون همزة الاستفهام حذفت لدلالة أم عليها ، كقوله :
بسبع رمين الجمر أم بثمان
واحتمل أن يكون إخبارا خاطبه بذلك على سبيل التقريع ، وأم تكون منقطعة ، والمعنى : بل أنت من العالين عند نفسك استخفافا به. (قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) : تقدم الكلام على ذلك في الأعراف. (قالَ : فَاخْرُجْ مِنْها) إلى قوله : (إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) : تقدم الكلام على مثل ذلك في الحجر ، إلا أن هنا (لَعْنَتِي) وهناك (اللَّعْنَةُ) (١) أعم. ألا ترى إلى قوله : (أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) (٢)؟ وأما بالإضافة ، فالعموم في اللعنة أعم ، واللعنات إنما تحصل من جهة أن عليه لعنة الله كانت عليه لعنة كل لاعن ، هذا من جهة المعنى ، وأما باللفظ فيقتضي التخصيص. (قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ) : أقسم إبليس هنا بعزة الله ، وقال في الأعراف : (فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَ) (٣) ، وفي الحجر : (رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَ) (٤). وتقدم الكلام عليهما في موضعهما ، وأن من المفسرين من قال : إن الباء في : بما أغويتني ، وفي : فبما أغويتني ليست باء القسم. فإن كانت باء القسم ، فيكون ذلك في موطئين : فهنا : (لَأُغْوِيَنَّهُمْ) ، وفي الأعراف : (لَأَقْعُدَنَ) ، وفي الحجر : (لَأُزَيِّنَنَ). وقرأ الجمهور : فالحق والحق ،
__________________
(١) سورة الحجر : ١٥ / ٣٥.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ١٥٩.
(٣) سورة الأعراف : ٧ / ١٦.
(٤) سورة الحجر : ١٥ / ٣٩.