بنصبهما. أما الأول فمقسم به ، حذف منه الحرف كقوله : أمانة الله لأقومن ، والمقسم عليه (لَأَمْلَأَنَ). (وَالْحَقَّ أَقُولُ) : اعتراض بين القسم وجوابه. قال الزمخشري : ومعناه : ولا أقول إلا الحق. انتهى ، لأن عنده تقدم المفعول يفيد الحصر. والحق المقسم به إما اسمه تعالى الذي في قوله : (أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ) (١) ، أو الذي هو نقيض الباطل. وقيل : فالحق منصوب على الإغراء ، أي فالزموا الحق ، ولأملأن : جواب قسم محذوف. وقال الفراء : هو على معنى قولك : حقا لا شك ، ووجود الألف واللام وطرحهما سواء ، أي لأملأن جهنم حقا. انتهى. وهذا المصدر الجائي توكيدا لمضمون الجملة ، لا يجوز تقديمه عند جمهور النحاة ، وذلك مخصوص بالجملة التي جزآها معرفتان جامدتان جمودا محضا. وقال صاحب البسيط : وقد يجوز أن يكون الخبر نكرة ، قال : والمبتدأ يكون ضميرا نحو : هو زيد معروفا ، وهو الحق بيننا ، وأنا الأمير مفتخرا ؛ ويكون ظاهرا كقولك : زيد أبوك عطوفا ، وأخوك زيد معروفا. انتهى. وقالت العرب : زيد قائم غير ذي شك ، فجاءت الحال بعد جملة ، والخبر نكرة ، وهي حال مؤكدة لمضمون الجملة ، وكأن الفراء لم يشترط هذا الذي ذكره أصحابنا من كون المبتدأ والخبر معروفين جامدين ، لأنه لا فرق بين تأكيد مضمون الجملة الابتدائية وبين تأكيد الجملة الفعلية. وقيل : التقدير فالحق الحق ، أي افعله. وقرأ ابن عباس ، ومجاهد ، والأعمش : بالرفع فيهما ، فالأول مبتدأ خبره محذوف ، قيل : تقديره فالحق أنا ، وقيل : فالحق مني ، وقيل : تقديره فالحق قسمي ، وحذف كما حذف في : لعمرك لأقومن ، وفي : يمين الله أبرح قاعدا ، أي لعمرك قسمي ويمين الله قسمي ، وهذه الجملة هي جملة القسم وجوابه : لأملأن. وأما (وَالْحَقَّ أَقُولُ) فمبتدأ أيضا ، خبره الجملة ، وحذف العائد ، كقراءة ابن عباس : (وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى *) (٢). وقال ابن عطية : أما الأول فرفع على الابتداء ، وخبره في قوله : (لَأَمْلَأَنَ) ، لأن المعنى : أن أملأ. انتهى. وهذا ليس بشيء ، لأن لأملأن جواب قسم ، ويجب أن يكون جملة ، فلا يتقدر بمفرد. وأيضا ليس مصدرا مقدرا بحرف مصدري ، والفعل حتى ينحل إليهما ، ولكنه لما صح له إسناد ما قدر إلى المبتدأ ، حكم أنه خبر عنه. وقرأ الحسن ، وعيسى ، وعبد الرحمن بن أبي حماد عن أبي بكر : بجرهم ، ويخرج على أن الأول مجرور بواو القسم محذوفة تقديره : فوالحق ، والحق معطوف عليه ، كما تقول : والله والله لأقومن ، وأقوال اعتراض بين القسم وجوابه. وقال الزمخشري : (وَالْحَقَّ أَقُولُ) : أي ولا أقول إلا
__________________
(١) سورة النور : ٢٤ / ٢٥.
(٢) سورة النساء : ٤ / ٩٥.