القبول ، ووصفه بالكمال. كما يقال : علا كعبه وارتفاع شأنه ، ومنه ترافعوا إلى الحاكم ، ورفع الأمر إليه ، وليس هناك علو في الجهة.
وقرأ الجمهور : والعمل الصالح يرفعهما. فالعمل مبتدأ ، ويرفعه الخبر ، وفاعل يرفعه ضمير يعود على العمل الصالح ، وضمير النصب يعود على الكلم ، أي يرفع الكلم الطيب ، قاله ابن عباس والحسن وابن جبير ومجاهد والضحاك. وقال الحسن : يعرض القول على الفعل ، فإن وأفق القول الفعل قبل ، وإن خالف رد. وعن ابن عباس نحوه ، قال : إذ اذكر الله العبد وقال كلاما طيبا وأدّى فرائضه ، ارتفع قوله مع عمله ؛ وإذ قال ولم يؤدّ فرائضه ، رد قوله على عمله ؛ وقيل : عمله أولى به. قال ابن عطية : وهذا قول يرده معتقد أهل السنة ، ولا يصح عن ابن عباس. والحق أن القاضي لفرائضه إذ ذكر الله وقال كلاما طيبا ، فإنه مكتوب له متقبل ، وله حسناته وعليه سيئاته ، والله يتقبل من كل من اتقى الشرك. وقال أبو صالح ، وشهر بن حوشب عكس هذا القول : ضمير الفاعل يعود على الكلم ، وضمير النصب على العمل الصالح ، أي يرفعه الكلم الطيب. وقال قتادة : إن الفاعل هو ضمير يعود على الله ، والهاء للعمل الصالح ، أي يرفعه الله إليه ، أي يقبله. وقال ابن عطية : هذا أرجع الأقوال. وعن ابن عباس : والعمل الصالح يرفع عامله ويشرفه ، فجعله على حذف مضاف. ويجوز عندي أن يكون العمل معطوفا على الكلم الطيب ، أي يصعدان إلى الله ، ويرفعه استئناف إخبار ، أي يرفعهما الله ، ووحد الضمير لا شتراكهما في الصعود ، والضمير قد يجري مجرى اسم الإشارة ، فيكون لفظه مفردا ، والمراد به التثنية ، فكأنه قيل : ليس صعودهما من ذاتهما ، بل ذلك برفع الله إياهما. وقرأ عيس ، وابن أبي عبلة : والعمل الصالح ، بنصبهما على الاشتغال ، فالفاعل ضمير الكلم أو ضمير الله ، ومكر لازم ، والسيئات نعت لمصدر محذوف ، أي المكرات السيئات ، أو المضاف إلى المصدر ، أي أضاف المكر إلى السيئات ، أو ضمن يمكرون معنى ، يكتسبون ، فنصب السيئات مفعولا به. وإذا كانت السيئات نعتا لمصدر ، أو لمضاف لمصدر ، فالظاهر أنه عنى به مكرات قريش في دار الندوة ، إذ تذاكروا إحدى ثلاث مكرات ، وهي المذكورة في الأنفال : إثباته ، أو قتله ، أو إخراجه ؛ و (أُولئِكَ) إشارة إلى الذين مكروا تلك المكرات. (يَبُورُ) أي يفسد ويهلك دون مكر الله بهم ، إذ أخرجهم من مكة وقتلهم وأثبتهم في قليب بدر ، فجمع عليهم مكراتهم جميعا وحقق فيهم قوله : (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) (١) ، وقوله :
__________________
(١) سورة الأنفال : ٨ / ٣٠.