(بِأَحْسَنِ الَّذِي). وقال الزمخشري : أما التفضيل فيؤذن بأن الشيء الذي يفرط منهم من الصغائر والزلات المكفرات هو عندهم الأسوأ لاستعظامهم المعصية ، والحسن الذي يعملون هو عند الله الأحسن لحسن إخلاصهم فيه ، فلذلك ذكر سيئهم بالأسوأ ، وحسنهم بالأحسن. انتهى ، وهو على رأي المعتزلة ، ويكون قد استعمل أسوأ في التفضيل على معتقدهم ، وأحسن في التفضيل على ما هو عند الله ، وذلك توزيع في أفعل التفضيل ، وهو خلاف الظاهر.
قالت قريش : لئن لم ينته محمد عن تعييب آلهتنا وتعييبنا ، لنسلطها عليه فتصيبه بخبل وتعتريه بسوء ، فأنزل الله : (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ) : أي شر من يريده بشر ، والهمزة الداخلة على النفي للتقرير ، أي هو كاف عبده ، وفي إضافته إليه تشريف عظيم لنبيه. وقرأ الجمهور : عبده ، وهو رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وقرأ أبو جعفر ، ومجاهد ، وابن وثاب ، وطلحة ، والأعمش ، وحمزة ، والكسائي : عباده بالجمع ، أي الأنبياء والمطيعين من المؤمنين ؛ (وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) : وهي الأصنام. ولما بعث خالدا إلى كسر العزى ، قال له سادنها : إني أخاف عليك منها ، فلها قوة لا يقوم لها شيء. فأخذ خالد الفأس ، فهشم به وجهها ثم انصرف. وفي قوله : (وَيُخَوِّفُونَكَ) ، تهكم بهم لأنهم خوفوه بما لا يقدر على نفع ولا ضرر. ونظير هذا التخويف قول قوم هود له : (إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ) (١). وقرىء : بكافي عبده على الإضافة ، ويكافي عباده مضارع كفى ، ونصب عباده فاحتمل أن يكون مفاعلة من الكفاية ، كقولك : يجازى في يجزي ، وهو أبلغ من كفى ، لبنائه على لفظ المبالغة ، وهو الظاهر لكثرة تردّد هذا المعنى في القرآن ، كقوله : (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ) (٢). ويحتمل أن يكون مهموزا من المكافأة ، وهي المجازاة ، أي يجزيهم أجرهم.
ولما كان تعالى كافي عبده ، كان التخويف بغيره عبثا باطلا. ولما اشتملت الآية على مهتدين وضالين ، أخبر أن ذلك كله هو فاعله ، ثم قال : (أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ) : أي غالب منيع ، (ذِي انْتِقامٍ) : وفيه وعيد لقريش ، ووعد للمؤمنين. ولما أقروا بالصانع ، وهو الله ، أخبرهم أنه تعالى هو المتصرف في نبيه بما أراد. فإن تلك الأصنام التي يدعونها آلهة من دونه لا تكشف ضرا ولا تمسك رحمة ، أي صحة وسعة في الرزق ونحو ذلك. وأرأيتم هنا جارية على وضعها ، تعدت إلى مفعولها الأول ، وهو ما يدعون. وجاء المفعول الثاني جملة
__________________
(١) سورة هود : ١١ / ٥٤.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ١٣٧.