الفرقان (١). وهنا بين القسمين صفة للعرب ، وبين قوله : (سائِغٌ شَرابُهُ). وقرأ الجمهور : سائغ ، اسم فاعل من ساغ. وقرأ عيسى : سيغ على وزن فيعل ، كميت ؛ وجاء كذلك عن أبي عمرو وعاصم. وقرأ عيسى أيضا : سيغ مخففا من المشدد ، كميت مخفف ميت. وقرأ الجمهور : ملح ، وأبو نهيك وطلحة : بفتح الميم وكسر اللام ، وقال أبو الفضل الرازي : وهي لغة شاذة ، ويجوز أن يكون مقصورا من مالح ، فحذف الألف تخفيفا. وقد يقال : ماء ملح في الشذوذ ، وفي المستعمل : مملوح. وقال الزمخشري : ضرب البحرين ، العذب والملح ، مثلين للمؤمن والكافر. ثم قال على صفة الاستطراد في صفة البحرين وما علق بها : من نعمته وعطائه. (وَمِنْ كُلٍ) ، من شرح الزمخشري : ألفاظا من الآية تكررت في سورة النحل. ثم قال : ويحتمل غير طريقة الاستطراد ، وهو أن يشبه الجنسين بالبحرين ، ثم يفضل البحر الأجاج على الكافر ، بأنه قد شارك العذب في منافع من السمك واللؤلؤ ، وجرى الفلك فيه. وللكافر خلو من النفع ، فهو في طريقة قوله تعالى : (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) (٢) الآية. انتهى. (لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) : يريد التجارات والحج والغزو ، أو كل سفر له وجه شرعي.
(يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ) : تقدم شرح هذه الجمل. ولما ذكر أشياء كثيرة تدل على قدرته الباهرة ، من إرسال الرياح ، والإيجاد من تراب وما عطف عليه ، وإيلاج الليل في النهار ، وتسخير الشمس والقمر ؛ أشار إلى أن المتصف بهذه الأفعال الغريبة هو الله فقال : (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ) ، وهي أخبار مترادفة ؛ والمبتدأ (ذلِكُمُ) ، و (اللهُ رَبُّكُمْ) خبران ، و (لَهُ الْمُلْكُ) جملة مبتدأ في قران قوله : (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ). قال الزمخشري : ويجوز في حكم الإعراب إيقاع اسم الله صفة لاسم الإشارة وعطف بيان ، وربكم خبر ، لو لا أن المعنى يأباه. انتهى. أما كونه صفة ، فلا يجوز ، لأن الله علم ، والعلم لا يوصف به ، وليس اسم جنس كالرجال ، فتتخيل فيه الصفة. وأما قوله : لو لا أن المعنى يأباه ، فلا يظهر أن المعنى يأباه ، لأنه يكون قد أخبر بأن المشار إليه بتلك الصفات والأفعال المذكورة ربكم ، أي مالكم ، أو مصلحكم ، وهذا معنى لائق سائغ ، والذين يدعون من دونه هي الأوثان. وقرأ الجمهور : تدعون ، بتاء الخطاب ، وعيسى ، وسلام ، ويعقوب : بياء الغيبة. وقال صاحب الكامل أبو القاسم بن جبارة : يدعون بالياء ، اللؤلؤي عن أبي عمرو وسلام ، والنهاوندي عن قتيبة ، وابن الجلاء عن نصير ، وابن حبيب
__________________
(١) سورة الفرقان : ٢٥ / ٥٣.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ٧٤.