صالحا ما لم يكن في حسابه من سوء العذاب المترتب على ذلك العمل ، ترتب الفتنة على تلك النعمة. (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) : أي إن ذلك استدراج وامتحان.
(قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) : أي قال مثل مقالتهم (أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ). والظاهر أن قائلي ذلك جماعة من الأمم الكافرة الماضية ، كقارون في قوله : (قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي) (١). وقيل : الذين من قبلهم هم قارون وقومه ، إذ رضوا بمقالته ، فنسب القول إليهم جميعا. وقرىء : قد قاله ، أي قال القول أو الكلام. (فَما أَغْنى عَنْهُمْ) : يجوز أن تكون ما نافية ، وهو الظاهر. وأن تكون استفهامية ، فيها معنى النفي. (ما كانُوا يَكْسِبُونَ) : أي من الأموال. (وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ) : إشارة إلى مشركي قريش ، (سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا) : جاء بسين الاستقبال التي هي أقل تنفيسا في الزمان من سوف ، وهو خبر غيب ، أبرزه الوجود في يوم بدر وغيره. قتل رؤساءهم ، وحبس عنهم الرزق ، فلم يمطروا سبع سنين ؛ ثم بسط لهم ، فمطروا سبع سنين ، فقيل لهم : ألم تعلموا أنه لا قابض ولا باسط إلا الله تعالى؟.
(قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا) : نزلت في وحشي قاتل حمزة ، قاله عطاء ؛ أو في قوم آمنوا عياش بن ربيعة والوليد بن الوليد ونفر معهما ، ففتنتهم قريش ، فافتتنوا وظنوا أن لا توبة لهم ، فكتب عمر لهم بهذه الآية ، قاله عمر والسدي وقتادة وابن إسحاق. وقيل : في قوم كفار من أهل الجاهلية قالوا : وما ينفعنا الإسلام وقد زنينا وقتلنا النفس وأتينا كل كبيرة؟ ومناسبتها لما قبلها : أنه تعالى لما شدد على الكفار وذكر ما أعد لهم من العذاب ، وأنهم لو كان لأحدهم ما في الأرض ومثله معه لافتدى به من عذاب الله ، ذكر ما في إحسانه من غفران الذنوب إذا آمن العبد ورجع إلى الله. وكثيرا تأتي آيات الرحمة مع آيات النقمة ليرجو العبد ويخاف. وهذه الآية عامة في كل كافر يتوب ، ومؤمن عاص يتوب ، تمحو الذنب توبته. وقال عبد الله ، وعلي ، وابن عامر : هذه أرجى آية في كتاب الله. وتقدم الخلاف في قراءة (لا تَقْنَطُوا) في الحجر.
(إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) : عام يراد به ما سوى الشرك ، فهو مقيد أيضا بالمؤمن العاصي غير التائب بالمشيئة. وفي قوله : (يا عِبادِيَ) ، بإضافتهم إليه وندائهم ، إقبال وتشريف. و (أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) : أي بالمعاصي ، والمعنى : إن ضرر تلك الذنوب إنما
__________________
(١) سورة القصص : ٢٨ / ٧٨.