موضع خفض على اللفظ ، وفي موضع رفع على الموضع ، واحتمل أن ينسحب النفي على الوصف فقط ، فيكون من شفيع ، ولكنه لا يطاع ، أي لا تقبل شفاعته ، واحتمل أن ينسحب النفي على الموصوف وصفته : أي لا شفيع فيطاع ، وهذا هو المقصود في الآية أن الشفيع عند الله إنما يكون من أوليائه تعالى ، ولا تكون الشفاعة إلا لمن ارتضاه الله وأيضا فيكون في زيادة التفضل والثواب ولا يمكن شيء من هذا في حق الكافر. وعن الحسن : والله لا يكون لهم شفيع البتة ، (يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ) ، كقوله :
وإن سقيت كرام الناس فاسقينا
أي الناس الكرام ، وجوزوا أن تكون خائنة مصدرا ، كالعافية والعاقبة ، أي يعلم خيانة الأعين. ولما كانت الأفعال التي يقصد بها التكتم بدنية ، فأخفاها خائنة الأعين من كسر جفن وغمز ونظر يفهم معنى ويريد صاحب معنى آخر وقلب ، وهو ما تحتوي عليه الضمائر ، قسم ما ينكتم به إلى هذين القسمين ، وذكر أن علمه متعلق بهما التعلق التام. وقال الزمخشري : ولا يحسن أن يراد الخائنة من الأعين ، لأن قوله : (وَما تُخْفِي الصُّدُورُ) لا يساعد عليه. انتهى ، يعني أنه لا يناسب أن يكون مقابل المعنى إلا المعنى ، وتقدم أن الظاهر أن يكون التقدير الأعين الخائنة ، والظاهر أن قوله : (يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ) الآية متصل بما قبله ، لما أمر بإنكاره يوم الآزفة ، وما يعرض فيه من شدة الكرب والغم ، وأن الظالم لا يجد من يحميه من ذلك ، ولا من يشفع له.
ذكر اطلاعه تعالى على جميع ما يصدر من العبد ، وأنه مجازى بما عمل ، ليكون على حذر من ذلك اليوم إذا علم أن الله مطلع على أعماله. وقال ابن عطية : (يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ) متصل بقوله : (سَرِيعُ الْحِسابِ) ، لأن سرعة حسابه للخلق إنما هي بعلمه الذي لا يحتاج معه إلى روية وفكر ، ولا لشيء مما يحتاجه المحاسبون. وقالت فرقة : يعلم متصل بقوله : (لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ) ، وهذا قول حسن ، يقويه تناسب المعنيين ، ويضعفه بعد الآية من الآية وكثرة الحائل. انتهى. وقال الزمخشري : فإن قلت : بم اتصل قوله : (يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ)؟ قلت : هو خبر من أخبار هو في قوله : (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ) (١) ، مثل : (يُلْقِي الرُّوحَ) ، ولكن من يلقي الروح قد علل بقوله : (لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ) ، ثم أسقط
__________________
(١) سورة الرعد : ١٣ / ١٢.