الظلم ، وسرعة الحساب ، إن حسابهم في وقت واحد لا يشغله حساب عن حساب. قال ابن عطية : وهذه الآية نص في أن الثواب والعقاب معلق باكتساب العبد. انتهى ، وهو على طريقة الأشعرية. وروي أن يوم القيامة لا ينتصف حتى يقيل المؤمنون في الجنة والكافرون في النار. و (يَوْمَ الْآزِفَةِ) : هو يوم القيامة ، يأمر تعالى نبيه أن ينذر العالم ويحذرهم منه ومن أهواله ، قاله مجاهد وابن زيد. والآزفة صفة لمحذوف تقديره يوم الساعة الآزفة ، أو الطامة الآزفة ونحو هذا. ولما اعتقب كل إنذار نوعا من الشدة والخوف وغيرهما ، حسن التكرار في الآزفة القريبة ، كما تقدم ، وهي مشارفتهم دخول النار ، فإنه إذ ذاك تزيغ القلوب عن مقارها من شدة الخوف. وقال أبو مسلم : يوم الآزفة : يوم المنية وحضور الأجل ، يدل عليه أنه يعدل وصف يوم القيامة بأنه يوم التلاق ، ويوم بروزهم ، فوجب أن يكون هذا اليوم غيره ، وهذه الصفة مخصوصة في سائر الآيات ، يوم الموت بالقرب أولى من وصف يوم القيامة بالقرب ، وأيضا فالصفات المذكورة بعد قوله : (يَوْمَ الْآزِفَةِ) ، لائقة بيوم حضور المنية ، لأن الرجل عند معاينة ملائكة العذاب لعظم خوفه ، يكاد قلبه يبلغ حنجرته من شدّة الخوف ، ولا يكون له حميم ولا شفيع يرفع عنه ما به من أنواع الخوف.
(إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ) ، قيل : يجوز أن يكون ذلك يوم القيامة حقيقة ، ويبقون أحياء مع ذلك بخلاف حالة الدنيا ، فإن من انتقل قلبه إلى حنجرته مات ، ويجوز أن يكون ذلك كناية عن ما يبلغون إليه من شدة الجزع ، كما تقول : كادت نفسي أن تخرج ، وانتصب كاظمين على الحال. قال الزمخشري : هو حال عن أصحاب القلوب على المعنى ، إذ المعنى : إذ قلوبهم لدى حناجرهم كاظمين عليها ، ويجوز أن تكون حالا عن القلوب ، وأن القلوب كاظمة على غم وكرب فيها ، مع بلوغها الحناجر. وإنما جمع الكاظم جمع السلامة ، لأنه وصفها بالكظم الذي هو من أفعال العقلاء ، كما قال : (رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) (١). وقال : فظلت أعناقهم لها خاضعين ، ويعضده قراءة من قرأ : كاظمون ، ويجوز أن يكون حالا عن قوله : أي وانذرهم مقدرين. وقال ابن عطية : كاظمين حال ، مما أبدل منه قوله تعالى : (تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ مُهْطِعِينَ) (٢) : أراد تشخص فيه أبصارهم ، وقال الحوفي : القلوب رفع بالإبتداء ، ولدي الحناجر الخبر متعلق بمعنى الاستقرار. وقال أبو البقاء : كاظمين حال من القلوب ، لأن المراد أصحابها. انتهى. (ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ) : أي مجب مشفق ، ولا شفيع يطاع في موضع الصفة لشفيع ، فاحتمل أن يكون في
__________________
(١) سورة يوسف : ١٢ / ٤.
(٢) سورة إبراهيم : ١٤ / ٤٢ ـ ٤٣.