الألوهية في الدنيا ولا في الآخرة ، أو دعوة مستجابة جعلت الدعوة التي لا استجابة لها ولا منفعة كلا دعوة ، أو سميت الاستجابة باسم الدعوة ، كما سمى الفعل المجازى عليه باسم الجزاء في قوله : كما تدين تدان. وقال الكلبي : ليست له شفاعة في الدنيا ولا في الآخرة ، وكان فرعون أولا يدعو الناس إلى عبادة الأصنام ، ثم دعاهم إلى عبادة البقر ، وكانت تعبد ما دامت شابة ، فإذا هزلت أمر بذبحها ودعا بأخرى لتعبد. فلما طال عليه الزمان قال : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) (١). ولما ذكر انتفاء دعوة ما عبد من دون الله وذكر أن مرد الجميع إلى الله ، أي إلى جزائه ، (وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ) : وهم المشركون في قول قتادة ، والسفاكون للدماء بغير حلها في قول ابن مسعود ومجاهد. وقيل : من غلب شره خيره هو المسرف. وقال عكرمة : هم الجبارون المتكبرون. وختم المؤمن كلامه بخاتمة لطيفة توجب التخويف والتهديد وهي قوله : (فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ) : أي إذا حل بكم عقاب الله. (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي) إلى قضاء الله وقدره ، لا إليكم ولا إلى أصنامكم ، وكانوا قد توعدوه. ثم ذكر ما يوجب التفويض ، وهو كونه تعالى بصيرا بأحوال العباد وبمقادير حاجاتهم.
قال مقاتل : لما قال هذه الكلمات ، قصدوا قتله ؛ فهرب هذا المؤمن إلى الجبل ، فلم يقدروا عليه. وقيل : لما أظهر إيمانه ، بعث فرعون في طلبه ألف رجل ؛ فمنهم من أدركه ، فذب السباع عنه وأكلتهم السباع ، ومنهم من مات في الجبال عطشا ، ومنهم من رجع إلى فرعون خائبا ، فاتهمه وقتله وصلبه. وقيل : نجا مع موسى في البحر ، وفر في جملة من فر معه. (فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا) : أي شدائد مكرهم التي تسوؤه ، وما هموا به من أنواع العذاب لمن خالفهم. (وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ) ، قال ابن عباس : هو ما حاق بالألف الذين بعثهم فرعون في طلب المؤمن ، من أكل السباع ، والموت بالعطش ، والقتل والصلب ، كما تقدم. وقيل : (سُوءُ الْعَذابِ) : هو الغرق في الدنيا والحرق في الآخرة. (النَّارُ) بدل من (سُوءُ الْعَذابِ) ، أو خبر مبتدأ محذوف ، كأنه قيل : ما سوء العذاب : قيل : النار ، أو مبتدأ خبره (يُعْرَضُونَ) ، ويقوي هذا الوجه قراءة من نصب ، أي تدخلون النار يعرضون عليها. وقال الزمخشري : ويجوز أن ينصب على الاختصاص.
والظاهر أن عرضهم على النار مخصوص بهذين الوقتين ، ويجوز أن يراد بذكر الطرفين الدوام في الدنيا ، والظاهر أن العرض خلاف الإحراق. وقال الزمخشري : عرضهم عليها : إحراقهم بها ، يقال : عرض الإمام الأسارى على السيف إذا قتلهم به. انتهى ،
__________________
(١) سورة النازعات : ٧٩ / ٢٤.