بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ ، لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ ، فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ ، فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ ، النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ ، وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ ، قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها إِنَّ اللهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ ، وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ ، قالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ ، إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ ، يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ).
بدأ المؤمن بذكر المتسبب عن دعوتهم ، وأبدى التفاضل بينهما. ولما ذكر المسببين ، ذكر سببهما ، وهو دعاؤهم إلى الكفر والشرك ، ودعاؤه إياهم إلى الإيمان والتوحيد. وأتى بصيغة العزيز ، وهو الذي لا نظير له ، والغالب الذي العالم كلهم في قبضته يتصرف فيهم كما يشاء ، الغفار لذنوب من رجع إليه وآمن به ، وأوصل سبب دعائهم بمسببه ، وهو الكفر والنار ، وأخر سبب مسببه ليكون افتتاح كلامه واختتامه بما يدعو إلى الخير. وبدأ أولا بجملة اسمية ، وهو استفهام المتضمن التعجب من حالتهم ، وختم أيضا بجملة اسمية ليكون أبلغ في توكيد الأخبار. وجاء في حقهم (وَتَدْعُونَنِي) بالجملة الفعلية التي لا تقتضي توكيدا ، إذ دعوتهم باطلة لا ثبوت لها ، فتؤكد ، و (ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ) هي الأوثان ، أي لم يتعلق به علمي ، إذ ليس لها مدخل في الألوهية ولا لفرعون. قال الزمخشري : فإن قلت : لم جاء بالواو في النداء الثالث دون الثاني؟ قلت : لأن الثاني داخل في كلام هو بيان للمجمل وتفسير له ، فأعطى الداخل عليه حكمه في امتناع دخول الواو ، وأما الثالث فداخل على كلام ليس بتلك المثابة. انتهى. وتقدم الكلام على لا جرم.
وقال الزمخشري هنا ، وروي عن العرب : لا جرم أنه يفعل بضم الجيم وسكون الراء ، يريد لا بد ، وفعل وفعل أخوان ، كرشد ورشد ، وعدم وعدم. (أَنَّما) : أي أن الذي تدعونني إليه ، أي إلى عبادته ، (لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ) ، أي قدر وحق يجب أن يدعى إليه ، أو ليس له دعوة إلى نفسه ، لأن الجماد لا يدعو ، والمعبود بالحق يدعو العباد إلى طاعته ، ثم يدعو العباد إليها إظهارا لدعوة ربهم. وقال الزجاج : المعنى ليس له استجابة دعوة توجب