فأجابوهم : (إِنَّا كُلٌّ فِيها) ، وأن حكم الله قد نفذ فينا وفيكم ، إنا مستمرون في النار. وقرأ ابن السميفع ، وعيسى بن عمران : كلا بنصب كل. وقال الزمخشري ، وابن عطية : على التوكيد لاسم إن ، وهو معرفة ، والتنوين عوض من المضاف إليه ، يريد : إنا كلنا فيها. انتهى. وخبر إن هو فيها ، ومن رفع كلا فعلى الابتداء ، وخبره فيها ، والجملة خبر إن. وقال ابن مالك في تصنيفه (تسهيل الفوائد) : وقد تكلم على كل ، ولا يستغنى بنية إضافته ، خلافا للفرّاء والزمخشري. انتهى ، وهذا المذهب منقول عن الكوفيين ، وقد رد ابن مالك على هذا المذهب بما قرره في شرحه (التسهيل). وقال الزمخشري : فإن قلت : هل يجوز أن يكون كلا حالا قد عمل فيها فيها؟ قلت : لا ، لأن الظرف لا يعمل ، والحال متقدمة ، كما يعمل في الظرف متقدما ، تقول : كل يوم لك ثوب ، ولا تقول : قائما في الدار زيد. انتهى. وهذا الذي منعه أجازه الأخفش إذا توسطت الحال ، نحو : زيد قائما في الدار ، وزيد قائما عندك ، والتمثيل الذي ذكره ليس مطابقا في الآية ، لأن الآية تقدم فيها المسند إليه الحكم ، وهو اسم إن ، وتوسطت الحال إذا قلنا إنها حال ، وتأخر العامل فيها ، وأما تمثيله بقوله : ولا تقول قائما في الدار زيد ، تأخر فيه المسند والمسند إليه ، وقد ذكر بعضهم أن المنع في ذلك إجماع من النحاة. وقال ابن مالك : والقول المرضي عندي أن كلا في القراءة المذكورة منصوب على أن الضمير المرفوع المنوي في فيها ، وفيها هو العامل ، وقد تقدمت الحال عليه مع عدم تصرفه ، كما قدمت في قراءة من قرأ : (وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) (١). وفي قول النابغة الذبياني :
رهط ابن كوز محقبي أدراعهم |
|
فيهم ورهط ربيعة بن حذار |
وقال بعض الطائيين :
دعا فأجبنا وهو باديّ ذلة |
|
لديكم فكان النصر غير قريب |
انتهى. وهذا التخريج هو على مذهب الأخفش ، كما ذكرناه ، والذي أختاره في تخريج هذه القراءة أن كلا بدل من اسم إن ، لأن كلا يتصرف فيهما بالابتداء ونواسخه وغير ذلك ، فكأنه قال : إن كلا بدل من اسم إن ، لأن كلا فيها : وإذا كانوا قد تأولوا حولا أكتعا ويوما أجمعا على البدل ، مع أنهما لا يليان العوامل ، فإن يدعى في كل البدل أولى ، وأيضا فتنكير كل ونصبه حالا في غاية الشذوذ ، والمشهور أن كلا معرفة إذا قطعت عن الإضافة.
__________________
(١) سورة الزمر : ٣٩ / ٦٧.