فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ ، هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ).
ولما ذكر ما حل بآل فرعون ، واستطرد من ذلك إلى ذكر شيء من أحوال الكفار في الآخرة ، عاد إلى ذكر ما منح رسوله موسى عليهالسلام فقال : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى) تأنيسا لمحمد عليهالسلام ، وتذكيرا لما كانت العرب تعرفه من قصة موسى عليهالسلام. والهدى ، يجوز أن يكون الدلائل التي أوردها على فرعون وقومه ، وأن يكون النبوة ، وأن يكون التوراة. (وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ) : الظاهر أنه التوراة ، توارثوها خلف عن سلف ، ويجوز أن يكون الكتاب أريد به : ما أنزل على بني إسرائيل من كتب أنبيائهم ، كالتوراة والزبور والإنجيل ، (هُدىً) ودلالة على الشيء المطلوب ، (وَذِكْرى) لما كان منسيا فذكر به تعالى في كتبه. وانتصب (هُدىً وَذِكْرى) على أنهما مفعولان له ، أو على أنهما مصدران في موضع الحال.
ثم أمر تعالى نبيه بالصبر فقال : (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) ، من قوله : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا) ، فلا بد من نصرك على أعدائك. وقال الكلبي : نسخ هذا بآية السيف. (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) ، قال ابن عطية : يحتمل أن يكون قبل إعلام الله تعالى إياه أنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، لأن آية هذه السورة مكية ، وآية سورة الفتح مدينة متأخرة ، ويحتمل أن يكون الخطاب له في هذه الآية ، والمراد أنه إذا أمر هو بهذا فغيره أحرى بامتثاله. وقال أبو عبد الله الرازي : محمول على التوبة من ترك الأفضل والأولى. وقيل : المقصود منه محض تعبد ، كما في قوله تعالى : (رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ) (١) ، فإن إيتاء ذلك الشيء واجب ، ثم إنه أمرنا بطلبه. وقيل : (لِذَنْبِكَ) : لذنب أمتك في حقك. قيل : فأضاف المصدر للمفعول ، ثم أمره بتنزيهه تعالى في هذين الوقتين اللذين الناس مشتغلون فيهما بمصالحهم المهمة. ويجوز أن يكون المراد سائر الأوقات ، وعبر بالظرفين عن ذلك. وقال ابن عباس : أراد بذلك الصلوات الخمس. وقال قتادة : صلاة الغداة ، وصلاة العصر. وقال الحسن : ركعتان قبل أن تفرض الصلاة. وعنه أيضا : صلاة العصر ، وصلاة الصبح. والظاهر أن المجادلين في آيات الله ، وهي دلائله التي نصبها على توحيده وكتبه المنزلة ، وما أظهر على يد أنبيائه من الخوارق ، هم كفار قريش والعرب. (بِغَيْرِ سُلْطانٍ) : أي حجة وبرهان. (فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ) : أي تكبر وتعاظم ، وهو إرادة التقدم والرياسة ، وذلك هو الحامل
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ١٩٤.