الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ ، وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ ، وَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللهِ تُنْكِرُونَ ، أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ ، فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ ، فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ ، فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ).
أمر تعالى نبيه بالصبر تأنيسا له ، وإلا فهو ، عليهالسلام ، في غاية الصبر ، وأخبر بأن ما وعده من النصر والظفر وإعلاء كلمته وإظهار دينه حق. قيل : وجواب (فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ) محذوف لدلالة المعنى عليه ، أي فيقر عينك ، ولا يصح أن يكون (فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ) جوابا للمعطوف عليه والمعطوف ، لأن تركيب (فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ) بعض الموعود في حياتك ، (فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ) ليس بظاهر ، وهو يصح أن يكون جواب ، (أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) : أي (فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ) ، فننتقم منهم ونعذبهم لكونهم لم يتبعوك. ونظير هذه الآية قوله : (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ) (١) ، إلا أنه هنا صرح بجواب الشرطين. وقال الزمخشري : (فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ) متعلق بقوله : (نَتَوَفَّيَنَّكَ) ، وجزاء (نُرِيَنَّكَ) محذوف تقديره : فإما نرينك بعض الذي نعدهم من العذاب ، وهو القتل يوم بدر فذاك ، أو أن نتوفينك قبل يوم بدر ، فإلينا يرجعون يوم القيامة ، فننتقم منهم أشد الانتقام. وقد تقدم للزمخشري نحو هذا البحث في سورة يونس في قوله : (وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ) (٢) ، ورددنا عليه ، فيطالع هناك. وقال الزمخشري أيضا : (فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ) أصله فإن نرك ، وما مزيدة لتأكيد معنى الشرط ، ولذلك ألحقت النون بالفعل. ألا تراك لا تقول : إن تكرمني أكرمك ، ولكن أما تكرمني أكرمك؟ انتهى. وما ذهب إليه من تلازم ما لمزيده ، ونون التوكيد بعد أن الشرطية هو مذهب المبرد والزجاج. وذهب سيبويه إلى أنك إن شئت أتيت بما دون النون ، وإن شئت أتيت بالنون دون ما. قال سيبويه في هذه المسألة : وإن شئت لم تقحم النون ؛ كما أنك إذا جئت لم تجىء بما ، يعني لم تقحم النون مع مجيئك بما ، ولم تجىء بما مع مجيئك بالنون. وقرأ الجمهور :
__________________
(١) سورة الزخرف : ٤٣ / ٤١ ـ ٤٢.
(٢) سورة يونس : ١٠ / ٤٦.