لا يُنْصَرُونَ ، وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ ، وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ).
(فَإِنْ أَعْرَضُوا) : التفات خرج من ضمير الخطاب في قوله : (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ) إلى ضمير الغيبة إعراضا عن خطابهم ، إذ كانوا قد ذكروا بما يقتضي إقبالهم وإيمانهم من الحجج الدالة على الوحدانية والقدرة الباهرة ، (فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ) : أي أعلمتكم ، (صاعِقَةً) أي حلول صاعقة. قال قتادة : عذابا مثل عذاب عاد وثمود. وقال الزمخشري : عذابا شديد الوقع ، كأنه صاعقة. وقرأ الجمهور : (صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ) ، وابن الزبير ، والسلمي ، والنخعي ، وابن محيصن : بغير ألف فيهما وسكون العين ، وتقدم تفسيرها في أوائل البقرة. والصعقة : المرة ، يقال : صعقته الصاعقة فصعق ، وهو من باب فعلت بفتح العين ، ففعل بكسرها نحو : خدعته فخدع ، وإذ معمولة لصاعقة لأن معناها العذاب.
(مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ) ، قال ابن عباس : أي قبلهم وبعدهم ، أي قبل هود وصالح وبعدهما. وقيل : من أرسل إلى آبائهم ومن أرسل إليهم ؛ فيكون (مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) معناه : من قبلهم ، (وَمِنْ خَلْفِهِمْ) معناه : الرسل الذين بحضرتهم. فالضمير في من خلفهم عائد على الرسل ، قاله الضحاك ، وتبعه الفراء ، وسيأتي عن الطبري نحو من هذا القول. وقال ابن عطية : (مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) : أي تقدموا في الزمن واتصلت نذارتهم إلى أعمار عاد وثمود ، وبهذا الاتصال قامت الحجة. (وَمِنْ خَلْفِهِمْ) : أي جاءهم رسول بعد تقدم وجودهم في الزمن ، وجاء من مجموع العبارة إقامة الحجة عليهم في أن الرسالة والنذارة عمتهم خبر ومباشرة. انتهى ، وهو شرح كلام ابن عباس. وقال الزمخشري : (مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ) : أي آتوهم من كل جانب ، واجتهدوا بهم وأعملوا فيهم كل حيلة ، فلم يروا منهم إلا العتو والإعراض. كما حكى الله عن الشيطان : (لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) (١) : أي لآتينهم من كل جهة ، ولأعملن فيهم كل حيلة. وعن الحسن : أنذروهم من وقائع الله فيمن قبلهم من الأمم وعذاب الآخرة ، لأنهم إذا حذروهم ذلك فقد جاءوهم بالوعظ من جهة الزمن الماضي وما جرى فيه على الكفار ، ومن جهة المستقبل وما سيجري عليهم. انتهى. وقال الطبري : الضمير في قوله : (وَمِنْ خَلْفِهِمْ) عائد على الرسل ، وفي : (مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) عائد على الأمم ، وفيه
__________________
(١) سورة الأعراف : ٧ / ١٧.