(ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) ، قال ابن عباس : من أمر الآخرة ، أنه لا جنة ولا نار ولا بعث. (وَما خَلْفَهُمْ) ، قال ابن عباس : من أمر الدنيا ، من الضلالة والكفر ولذات الدنيا. وقال الكلبي : (ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) : أعمالهم التي يشاهدونها ، (وَما خَلْفَهُمْ) : ما هم عاملوه في المستقبل. وقال ابن عطية : (ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) ، من معتقدات السوء في الرسل والنبوات ومدح عبادة الأصنام واتباع فعل الآباء ، (وَما خَلْفَهُمْ) : ما يأتي بعدهم من أمر القيامة والمعاد. انتهى ، ملخصا ، وهو شرح قول الحسن ، قال : (ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) من أمر الدنيا ، (وَما خَلْفَهُمْ) من أمر الآخرة. وقال الزمخشري : فإن قلت : كيف جاز أن يقيض لهم القرناء من الشياطين وهو ينهاهم عن اتباع خطواتهم؟ قلت : معناه أنه خذلهم ومنعهم التوفيق لتصميمهم على الكفر ، فلم يبق لهم قرناء سوى الشياطين ، والدليل عليه : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً) (١). انتهى ، وهو على طريقة الاعتزال. (وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) : أي كلمة العذاب ، وهو القضاء المحتم ، بأنهم معذبون. (فِي أُمَمٍ) : أي في جملة أمم ، وعلى هذا قول الشاعر :
إن تك عن أحسن الصنيعة مأفو |
|
كا ففي آخرين قد أفكوا |
أي : فأنت في جملة آخرين ، أو فأنت في عدد آخرين ، لست في ذلك بأوحد. وقيل : في بمعنى مع ، ولا حاجة للتضمين مع صحة معنى في. وموضع في (أُمَمٍ) نصب على الحال ، أي كائنين في جملة أمم ، وذو الحال الضمير في عليهم. (إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ) : الضمير لهم وللأمم ، وهذا تعليل لاستحقاقهم العذاب.
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا) : أي لا تصغوا ، (لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ) : إذا تلاه محمد صلىاللهعليهوسلم. قال أبو العالية : وقعوا فيه وعيبوه. وقال غيره : كان الرسول عليهالسلام إذا قرأ في المسجد أصغى إليه الناس من مؤمن وكافر ، فخشي الكفار استمالة القلوب بذلك فقالوا : متى قرأ محمد صلىاللهعليهوسلم ، فلنلغط نحن بالمكاء والصفير والصياح وإنشاد الشعر والأرجاز حتى يخفى صوته ، وهذا الفعل هو اللغو. وقرأ الجمهور والفراء : بفتح الغين مضارع لغى بكسرها ؛ وبكر بن حبيب السهمي كذا في كتاب ابن عطية ، وفي كتاب اللوامح. وأما في كتاب ابن خالويه ، فعبد الله بن بكر السهمي وقتادة وأبو حيوة والزعفراني وابن أبي إسحاق وعيسى : بخلاف عنهما ، بضم الغين مضارع لغى بفتحها ، وهما لغتان ، أي ادخلوا فيه
__________________
(١) سورة الزخرف : ٤٣ / ٣٦.