وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولئِكَ يُنادَوْنَ). وقيل : محذوف ، وخبر إن يحذف لفهم المعنى. وسأل عيسى بن عمر عمرو بن عبيد عن ذلك فقال عمرو : معناه في التفسير : إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم كفروا به ، وإنه لكتاب ، فقال عيسى : أجدت يا أبا عثمان. وقال قوم : تقديره معاندون أو هالكون. وقال الكسائي : قد سد مسده ما تقدم من الكلام قبل إن ، وهو قوله : (أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ). انتهى ، كأنه يريد : دل عليه ما قبله ، فيمكن أن يقدر يخلدون في النار. وقال الزمخشري : فإن قلت : بم اتصل قوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ)؟ قلت : هو بدل من قوله : (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا). انتهى. ولم يتعرض بصريح الكلام في خبر إن أمذكور هو أو محذوف ، لكن قد ينتزع من كلامه هذا أنه تكلم فيه بطريق الإشارة إليه ، لأنه ادّعى أن قوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ) بدل من قوله : (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ) ، فالمحكوم به على المبدل منه هو المحكوم به على البدل ، فيكون التقدير : (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا) ، (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ) ، لا يخفون علينا. وقال ابن عطية : والذي يحسن في هذا هو إضمار الخبر بعد (حَكِيمٍ حَمِيدٍ) ، وهو أشد إظهارا ، لأن قوله : (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ) داخل في صفة الذكر المكذب به ، فلم يتم ذكر المخبر عنه إلا بعد استيفاء وصفه. انتهى ، وهو كلام حسن.
والذي أذهب إليه أن الخبر مذكور ، لكنه حذف منه عائد يعود على اسم إن ، وذلك في قوله : (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ) : أي الباطل منهم ، أي الكافرون به ، وحالة هذه لا يأتيه باطلهم ، أي متى راموا فيه أن يكون ليس حقا ثابتا من عند الله وإبطالا له لم يصلوا إليه ، أو تكون أل عوضا من الضمير على قول الكوفيين ، أي لا يأتيه باطلهم ، أو يكون الخبر قوله : (ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ) ، أي أوحى إليك في شأن هؤلاء المكذبين لك. ولما جئت به مثل ما أوحى إلي من قبلك من الرسل ، وهو أنهم عاقبتهم سيئة في الدنيا بالهلاك ، وفي الآخرة بالعذاب الدائم. وغاية ما في هذين التوجيهين حذف الضمير العائد على اسم إن ، وهو موجود ، نحو قوله : السمن منوان بدرهم : أي منوان منه والبر كرّ بدرهم : أي كر منه. وعن بعض نحاة الكوفة : الخبر في قوله : (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ) ، وهذا لا يتعقل. (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ) : جملة حالية ، كما تقول : جاء زيد وأن يده على رأسه ، أي كفروا به ، وهذه حاله وعزته كونه عديم النظير لما احتوى عليه من الإعجاز الذي لا يوجد في غيره من الكتب ، أو غالب ناسخ لسائر الكتب والشرائع. وقال ابن عباس : عزيز كريم على الله تعالى. وقال مقاتل : ممتنع من الشيطان. وقال السدي : غير مخلوق.