وقيل : وصف بالعزة لأنه لصحة معانيه ممتنع الطعن فيه والإزراء عليه ، وهو محفوظ من الله ، (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ) من جعل خبر إن محذوفا ، أو قوله : (أُولئِكَ يُنادَوْنَ) ، كانت هذه الجملة في موضع الصفة على ما اخترناه من أحد الوجهين تكون الجملة في موضع خبر إن ، والمعنى أن الباطل لا يتطرق إليه (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) ، تمثيل : أي لا يجد الطعن سبيلا إليه من جهة من الجهات ، فيتعلق به.
وأما ما ظهر من بعض الحمقى من الطعن على زعمهم ، ومن تأويل بعضهم له ، كالباطنية ، فقد رد عليهم ذلك علماء الإسلام وأظهروا حماقاتهم. وقال قتادة : الباطل الشيطان ، واللفظ لا يخص الشيطان. وقال ابن جبير والضحاك : (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ) : أي كتاب من قبله فيبطله ، ولا من بعده فيكون على هذا الباطل في معنى المبطل نحو : أورس النبات فهو وارس ، أي مورس ، أو يكون الباطل بمعنى المبطل مصدرا ، فيكون كالعافية. وقيل : (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ) : أي قبل أن يتم نزوله ، (وَلا مِنْ خَلْفِهِ) : من بعد نزوله. وقيل عكس هذا. وقيل : (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ) : قبل أن ينزل ، لأن الأنبياء بشرت به ، فلم يقدر الشيطان أن يدحض ذلك ، (وَلا مِنْ خَلْفِهِ) : بعد أن أنزل. وقال الطبري : (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ) : لا يقدر ذو باطل أن يكيده بتغيير ولا تبديل ، (وَلا مِنْ خَلْفِهِ) : لا يستطيع ذو باطل أن يلحد فيه. (تَنْزِيلٌ) : أي هو تنزيل ، (مِنْ حَكِيمٍ) : أي حاكم أو محكم لمعانيه ، (حَمِيدٍ) : محمود على ما أسدى لعباده من تنزيل هذا الكتاب وغيره من النعم.
(ما يُقالُ لَكَ) : يقال مبني للمفعول ، فاحتمل أن يكون القائل الله تعالى ، كما تقدم تأويلها فيه ، أي ما يوحي إليك الله إلا مثل ما أوحى إلى الرسل في شأن الكفار ، كما تأولناه على أحد الوجهين أو في الشرائع. وجوزوا على أن القائل هو الله أن يكون. (إِنَّ رَبَّكَ) : تفسير لقوله : (ما قَدْ قِيلَ) ، فالمقول (إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ) للطائعين ، (وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ) للعاصين ، وهذا التأويل فيه بعد ، لأنه حصر ما أوحى الله إليه وإلى الرسل في قوله : (إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ) ، وهو تعالى قد أوحى إليه وإليهم أشياء كثيرة. فإذا أخذناه على الشرائع أو على عاقبة المكذبين كان الحصر صحيحا ، وكان قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ) استئناف إخبار عنه تعالى لا تفسير لما قد قيل. ويحتمل أن يكون القائل الكفار ، أي ما يقول لك كفار قومك إلا ما قد قال كفار الرسل لهم من الكلام المؤذي والطعن فيما أنزل الله عليهم من الكتب. ثم أخبر تعالى أنه ذو مغفرة وذو عقاب أليم ، وفيه الترجئة بالغفران ، والزجر بالعقاب ، وهو وعظ وتهديد. وقال قتادة : عزى الله نبيه وسلاه بقوله : (ما يُقالُ لَكَ