إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ) ، ومثله كذلك : (ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) (١).
ولما ذكر تعالى الملحدين في آياته ، وأنهم لا يخفون عليه ، والكافرين بالقرآن ما دل على تعنتهم وما ظهر من تكذيبهم ، وقولهم : هل أنزل بلغة العجم؟ فقال : (وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا) : أي لا يفصح ولا تبين معانيه لهم لكونه بلغة العجم أو بلغة غير العرب ، لم يتركوا الاعتراض ، و (لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُ) : أي بينت لنا ، وأوضحت حتى نفهمها. وقرأ الجمهور : أعجمي بهمزة الاستفهام بعدها مدة هي همزة أعجمي ، وقياسها في التخفيف التسهيل بين بين. وقرأ الإخوان ، والأعمش ، وحفص : بهمزتين ، أي وقالوا منكرين : أقرآن أعجمي ورسول عربي؟ أو مرسل إليه عربي؟ وتأوله ابن جبير أن معنى قوله : (أَعْجَمِيٌ) ، ونحن عرب ما لنا وللعجمة. وقال ابن عطية : لأنهم ينكرون ذلك فيقولون : لو لا بين أعجمي وعربي مختلط هذا لا يحسن. انتهى. ولا يصح هذا التقسيم لأنه بالنسبة للقرآن ، وهم إنما قالوا ما دل عليه قوله تعالى : (وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا) ، من اقتراحهم أن يكون أعجميا ، ولم يقترحوا أن يكون القرآن أعجميا وعربيا. وقرأ الحسن ، وأبو الأسود ، والجحدري ، وسلام ، والضحاك ، وابن عباس ، وابن عامر بخلاف عنهما : أعجمي وعربي دون استفهام وسكون العين ، فقيل معناه : أنهم قالوا : أعجمة وأعراب ، إن هذا لشاذ. وقال ابن جبير معناه : لو لا فصل فصلين ، فكان بعضه أعجميا يفهمه العجم ، وبعضه عربيا يفهمه العرب. وقال صاحب اللوامح : لأنهم لما قالوا : (لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُ) ، أعادوا القول ثانيا فقالوا : (أَعْجَمِيٌ) ، وأضمر المبتدأ ، أي هو أعجمي ، والقرآن ، أو الكلام ، أو نحوها ، والذي أتى به ، أو الرسول عربي ، كأنهم كانوا ينكرون ذلك. وقرأ عمرو بن ميمون : أعجمي بهمزة استفهام وفتح العين أن القرآن لو جاء على طريقة كائنة كانوا تعنتوا ، لأنهم لا يطلبون الحق. وقال صاحب اللوامح : والعجمي المنسوب إلى العجم ، والياء للنسب على الحقيقة ؛ وأما إذا سكنت العين فهو الذي لا يفصح ، والياء فيه بلفظ النسب دون معناه ، فهو بمنزلة ياء كرسي وبختي ، والله أعلم. انتهى ، وليست كياء كرسي بنيت الكلمة عليها ، وياء أعجمي لم تبن الكلمة عليها. تقول العرب : رجل أعجم ورجل أعجمي ، فالياء للنسبة الدالة على المبالغة في الصفة ، نحو : أحمري ودواري مبالغة في أحمر ودوار. وقال الزمخشري : فإن قلت : كيف يصح أن يراد
__________________
(١) سورة الذاريات : ٥١ / ٥٢.