بالعربي المرسل إليهم وهم أمة العرب؟ قلت : هو على ما يجب أن يقع في إنكار المنكر لو رأى كتابا عجميا كتب إلى قوم من العرب يقول : أكتاب عجمي والمكتوب إليه عربي؟ وذلك لأن نسخ الإنكار على تنافر حالتي الكتاب والمكتوب إليه ، لا على أن المكتوب إليه واحد وجماعة ؛ فوجب أن يجرد لما سيق له من الغرض ، ولا يوصل به ما يخل غرضا آخر. ألا تراك تقول : وقد رأيت لباسا طويلا على امرأة قصيره ، اللباس طويل واللابس قصير؟ ولو قلت : واللابسة قصيرة ، جئت بما هو لكنة وفضول قول ، لأن الكلام لم يقع في ذكورة اللابس وأنوثته ، إنما وقع في غرض وراءهما. انتهى ، وهو حسن ، إلا أن فيه تكثيرا على عادته في حب الشقشقة والتفهيق.
(قُلْ هُوَ) : أي القرآن ، (لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ) ، هدى : أي إرشاد إلى الحق ، وشفاء : أي لما في الصدور من الظن والشك. والظاهر أن (وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) مبتدأ ، و (فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ) هو موضع الخبر. وقال الزمخشري : هو في آذانهم وقر على حذف المبتدأ لما أخبر أنه هدى وشفاء للمؤمنين ، أخبر أنه وقر وصمم في آذانهم ، أي الكافرين ، ولا يضطر إلى إضمار هو ، فالكلام تام دونه أخبر أن في آذانهم صمما عن سماعهم. ثم أخبر أنه عليهم عمى ، يمنعهم من إبصار حكمته والنظر في معانيه والتقرير لآياته ، وجاء بلفظ عليهم الدالة على استيلاء العمى عليهم ، وجاء في حق المؤمنين باللام الدالة على الاختصاص ، وكون والذين في موضع جر عطفا على قوله : (لِلَّذِينَ آمَنُوا) ، والتقدير : وللذين لا يؤمنون وقر في آذانهم إعراب متكلف ، وهو من العطف على عاملين ، وفيه مذاهب كثيرة في النحو ، والمشهور منع ذلك. وقرأ الجمهور : عمى بفتح الميم منونا : مصدر عمى. وقرأ ابن عمرو ، وابن عباس ، وابن الزبير ، ومعاوية بن أبي سفيان ، وعمرو بن العاص ، وابن هرمز : بكسر الميم وتنوينه. وقال يعقوب القارئ ، وأبو حاتم : لا ندري نونوا أم فتحوا الياء ، على أنه فعل ماض وبغير تنوين ، رواها عمرو بن دينار وسليمان بن قتيبة عن ابن عباس. والظاهر أن الضمير في (وَهُوَ عَلَيْهِمْ) عائد على القرآن ، وقيل : يعود على الوقر. (أُولئِكَ) إشارة إلى الذين لا يؤمنون ، ومن جعله خبرا ، لأن الذين كفروا كانت الإشارة إليهم. (يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) ، قيل : هو حقيقة. قال الضحاك : ينادون بكفرهم وقبح أعمالهم بأقبح أسمائهم من بعد حتى يسمع ذلك أهل الموقف فتعظم السمعة عليهم ويحل المصاب. وقال علي ومجاهد : استعارة لقلة فهمهم ، شبههم بالرجل ينادي من بعد ، فيسمع الصوت ولا يفهم تفاصيله ولا معانيه. وحكى أهل