مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ ، أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ ذلِكُمُ اللهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ، فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ، لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
هذه السورة مكية في قول الحسن وعطاء وعكرمة وجابر. وقال ابن عباس : مكية إلا أربع آيات من قوله : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) إلى آخر الأربع آيات ، فإنها نزلت بالمدينة. وقال مقاتل : فيها مدني قوله : (ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ) الى (الصُّدُورِ). ومناسبة أول السورة لآخر ما قبلها أنه قال : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) (١) الآية ، وكان في ذلك الحكم عليهم بالضلال. لما كفروا به قال هنا : (كَذلِكَ) ، أي مثل الإيحاء السابق في القرآن الذي كفر به هؤلاء ، (يُوحِي إِلَيْكَ) : أي إن وحيه تعالى إليك متصل غير منقطع ، يتعهدك وقتا بعد وقت. وذكر المفسرون في (حم عسق) أقوالا مضطربة لا يصح منها شيء كعادتهم في هذه الفواتح ، ضربنا عن ذكرها صفحا. وقرأ الجمهور : يوحي مبنيا للفاعل ؛ وأبو حيوة ، والأعشى عن أبي بكر ، وأبان : نوحي بنون العظمة ؛ ومجاهد ، وابن وكثير ، وعباس ، ومحبوب ، كلاهما عن أبي عمرو : يوحي مبنيا للمفعول ؛ والله مرفوع بمضمر تقديره أوحى ، أو بالابتداء ، التقدير : الله العزيز الحكيم الموحي ؛ وعلى قراءة نوحي بالنون ، يكون (اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) مبتدأ وخبرا. ويوحي ، إما في معنى أوجب حتى ينتظم قوله : (وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ) ، أو يقرأ على موضوعه ، ويضمر عامل يتعلق به إلى الذين تقديره : وأوحى إلى الذين من قبلك.
وتقدم الكلام على (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ) في سورة مريم قراءة وتفسيرا. وقال الزمخشري : وروى يونس عن أبي عمرو قراءة عربية : تتفطرن بتاءين مع النون ، ونظيرها حرف نادر روي في نوادر ابن الأعرابي : الإبل تتشممن. انتهى. والظاهر أن هذا وهم من الزمخشري في النقل ، لأن ابن خالويه ذكر في شواذ القراءات له ما نصه : تفطرن بالتاء والنون ، يونس عن أبي عمرو. وقال ابن خالويه : هذا حرف نادر ، لأن العرب لا تجمع بين علامتي التأنيث. لا يقال : النساء تقمن ، ولكن يقمن ، والوالدات يرضعن. قد كان أبو عمر الزاهد روى في نوادر ابن الأعرابي : الإبل تتشممن ، فأنكرناه ، فقد قواه ، لأن هذا كلام ابن
__________________
(١) سورة فصلت : ٤١ / ٥٢.