عليه الواجبات ، وأوضح له الأدب في الديانات. ولم يزل ذلك يتأكد بالرسل ويتناصر بالأنبياء واحدا بعد واحد وشريعة إثر شريعة ، حتى ختمه الله بخير الملل على لسان أكرم الرسل ، فكان المعنى : أوصيناك يا محمد ونوحا دينا واحدا في الأصول التي لا تختلف فيها الشرائع ، وهي التوحيد والصلاة والزكاة والحج والتقرب بصالح الأعمال ، والصدق والوفاء بالعهد ، وأداء الأمانة وصلة الرحم وتحريم الكبر والزنا والإذاية للخلق كيفما تصرفت ، والاعتداء على الحيوان ، واقتحام الدناءات وما يعود بخرم المروءات ؛ فهذا كله مشروع دينا واحدا ، أو ملة متحدة ، لم يختلف على ألسنة الأنبياء ، وإن اختلفت أعدادهم ، وذلك قوله : (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) : أي اجعلوه قائما ، يريد دائما مستمرا محفوظا مستقرا من غير خلاف فيه ولا اضطراب. انتهى. وقال مجاهد : لم يبعث نبي إلا أمر بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والإقرار بالله وطاعته ، فهو إقامة الدين. وقال أبو العالية : إقامة الدين : الإخلاص لله وعبادته ، (وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) ، قال أبو العالية : لا تتعادوا فيه. وقال مقاتل : معناه لا تختلفوا ، فإن كل نبي مصدق. وقيل : لا تتفرقوا فيه ، فتؤمنوا ببعض الرسل وتكفروا ببعض.
(وَما تَفَرَّقُوا) ، قال ابن عباس : يعني قرشيا ، والعلم : محمد عليه الصلاة والسلام ، وكانوا يتمنون أن يبعث إليهم نبي ، كما قال : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ) (١) ، يريدون نبيا. وقيل : الضمير يعود على أمم الأنبياء ، جاءهم العلم ، فطال عليهم الأمد ، فآمن قوم وكفر قوم. وقال ابن عباس أيضا : عائد على أهل الكتاب ، والمشركين دليله : (وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) (٢) ، قال المشركون : لم خص بالنبوة ، واليهود والنصارى حسدوه. (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ) : أي عدة التأخر إلى يوم القيامة ، فحينئذ يقع الجزاء ، (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) : لجوزوا بأعمالهم في الدنيا ؛ لكنه قضى أن ذلك لا يكون إلا في الآخرة. وقال الزجاج : الكلمة قوله : (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ) (٣). (وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ) : هم بقية أهل الكتاب الذين عاصروا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، (مِنْ بَعْدِهِمْ) : أي من بعد أسلافهم ، أو هم المشركون ، أورثوا الكتاب من بعد ما أورث أهل الكتاب التوراة والإنجيل. وقرأ زيد بن علي : ورثوا مبنيا للمفعول مشدد الراء ، (لَفِي شَكٍّ مِنْهُ) : أي من كتابهم ، أو من القرآن ، أو مما جاء به محمد صلىاللهعليهوسلم ، أو من الدين الذي
__________________
(١) سورة فاطر : ٣٥ / ٤٢.
(٢) سورة البينة : ٩٨ / ٤.
(٣) سورة القمر : ٥٤ / ٤٦.