وصى به نوحا. ولما تقدم شيئان : الأمر بإقامة الدين ، وتفرق الذين جاءهم العلم واختلافهم وكونهم في شك ، احتمل قوله. (فَلِذلِكَ) ، أن يكون إشارة إلى إقامة الدين ، أي فادع لدين الله وإقامته ، لا تحتاج إلى تقدير اللام بمعنى لأجل ، لأن دعا يتعدى باللام ، قال الشاعر :
دعوت لما نابني مسورا |
|
فلبى فلبى يدي مسورا |
واحتمل أن تكون اللام للعلة ، أي فلأجل ذلك التفرق. ولما حدث بسببه من تشعب الكفر شعبا ، (فَادْعُ) إلى الاتفاق والائتلاف على الملة الحنيفية ، (وَاسْتَقِمْ) : أي دم على الاستقامة ، وتقدم الكلام على (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ) (١) ، وكيفية هذا التشبيه في أواخر هود. (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ) المختلفة الباطلة ، وأمره بأن يصرح أنه آمن بكل كتاب أنزله الله ، لأن الذين تفرقوا آمنوا ببعض. (وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ) ، قيل : إن المعنى : وأمرت بما أمرت به لأعدل بينكم في إيصال ما أمرت به إليكم ، لا أخص شخصا بشيء دون شخص ، فالشريعة واحدة ، والأحكام مشترك فيها. وقيل : لا عدل بينكم في الحكم إذا تخاصمتم فتحاكمتم. (لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ) : أي قد وضحت الحجج وقامت البراهين وأنتم محجوجون ، فلا حاجة إلى إظهار حجة بعد ذلك. (اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا) وبينكم ، أي يوم القيامة ، فيفصل بيننا. وما يظهر في هذه الآية من الموادعة منسوخ بآية السيف.
(وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللهِ) : أي يخاصمون في دينه ، قال ابن عباس ومجاهد : نزلت في طائفة من بني إسرائيل همت برد الناس عن الإسلام وإضلالهم ومحاجتهم ، بل قالوا : كتابنا قبل كتابكم ، ونبينا قبل نبيكم ؛ فديننا أفضل ، فنزلت الآية في ذلك. وقيل : نزلت في قريش ، كانوا يجادلون في هذا المعنى ، ويطمعون في رد المؤمنين إلى الجاهلية. واستجيب مبني للمفعول ، فقيل : المعنى من بعد ما استجاب الناس لله ، أي لدينه ودخلوا فيه. وقيل : من بعد ما استجاب الله له ، أي لرسوله ودينه ، بأن نصره يوم بدر وظهر دينه. (حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ) أي باطلة لا ثبوت لها. ولما ذكر من يحاج في دين الإسلام ، صرح بأنه تعالى هو الذي أنزل الكتاب ، والكتاب جنس يراد به الكتب الإلهية. (وَالْمِيزانَ) ، قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم : هو العدل ؛ وعن ابن مجاهد : هو هنا الميزان الذي بأيدي الناس ، وهذا مندرج في العدل.
__________________
(١) سورة هود : ١١ / ١١٢.