(وَما يُدْرِيكَ) أيها المخاطب ، (لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ) ، ذكر على معنى البعث أو على حذف مضاف : أي لعل مجيء الساعة ؛ ولعل الساعة في موضع معمول ، وما يدريك ، وتقدم الكلام على مثل هذا في قوله في آخر الأنبياء : (وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ) (١).
وتواقفت هذه الجملة مع قوله : (اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ). الساعة : يوم الحساب ، ووضع الموازين : القسط ، فكأنه قيل : أمركم الله بالعدل والتسوية قبل أن يفاجئكم اليوم الذي يحاسبكم فيه ويزن أعمالكم. (يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) بها بطلب وقوعها عاجلة ، لأنهم ليسوا موقنين بوقوعها ، ليبين عجز من يؤمن بها عندهم ، أي هي مما لا يقع عندهم. (أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ) ويلحون في أمر الساعة ، (لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) عن الحق ، لأن البعث غير مستبعد من قدرة الله ، ودل عليه الكتاب المعجز ، فوجب الإيمان به. (اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ) : أي بر بعباده المؤمنين ، ومن سبق له الخلود في الدنيا ، وما يرى من النعم على الكافر فليس بلطف ، إنما هو إملاء ، ولا لطف إلا ما آل إلى الرحمة والوفاة على الإسلام. وقال مقاتل : لطيف بالبر والفاجر حيث لم يقتلهم جوعا. وقال الزمخشري : يوصل بره إلى جميعهم ، (يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ) : أي من يشاء يرزقه شيئا خاصا ، ويحرم من يشاء من ذلك الشيء الخاص ، وكل منهم مرزوق ، وإن اختلف الرزق ، (وَهُوَ الْقَوِيُ) : أي البالغ القوة ، وهي القدرة (الْعَزِيزُ) : الغالب الذي لا يغلب.
ولما ذكر تعالى الرزق ، ذكر حديث الكسب. ولما كان الحرث في الأرض أصلا من أصول المكاسب ، استعير لكل مكسب أريد به النماء والفائدة ، أي من كان يريد عمل الآخرة ، وسعى لها سعيها ، (نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ) : أي جزاء حرثه من تضعيف الحسنات ، (وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها) : أي العمل لها لا لآخرته ، (نُؤْتِهِ مِنْها) : أي نعطه شيئا منها ، (وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) ، لأنه لم يعمل شيئا للآخرة. والجملة الأولى وعد منجز ، والثانية مقيدة بمشيئته تعالى ، فلا يناله إلا رزقه الذي فرغ منه ، وكل ما يريده هو. واقتصر في عامل الآخرة على ذكر حظه في الآخرة ، كأنه غير معتبر ، فلا يناسب ذكره مع ما أعد الله له في الآخرة لمن يشاء ما يشاء. وجعل فعل الشرط ماضيا ، والجواب مجزوم لقوله تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها) (٢) ، ولا نعلم خلافا في جواز الجزم ، فإنه فصيح مختار ، إلا ما ذكره صاحب كتاب الإعراب ، وهو
__________________
(١) سورة الأنبياء : ٢١ / ١١١.
(٢) سورة هود : ١١ / ١٥.