(خَيْرٌ وَأَبْقى) مما أوتيتم ، لأنه لا انقطاع له. وتقدم الكلام في الكبائر في قوله : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ) (١) ، في النساء. وقرأ الجمهور : (كَبائِرَ) جمعا هنا ، وفي النجم ، وحمزة ، والكسائي : بالإفراد.
(وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ) : عطف على (لِلَّذِينَ آمَنُوا) ، وكذلك ما بعده. ووقع لأبي البقاء وهم في التلاوة ، اعتقد أنها الذين يجتنبون بغير واو ، فبنى عليه الإعراب فقال : الذين يجتنبون في موضع جر بدلا من الذين آمنوا ، ويجوز أن يكون في موضع نصب بإضمار ، أعني : وفي موضع رفع على تقديرهم. انتهى. والعامل في إذا يغفرون ، وهي جملة من مبتدأ وخبر معطوف على يجتنبون ، ويجوز أن يكون هم توكيدا للفاعل في غضبوا. وقال أبو البقاء : هم مبتدأ ، ويغفرون الخبر ، والجملة جواب إذا. انتهى ، وهذا لا يجوز ، لأن الجملة لو كانت جواب إذا لكانت بالفاء ، تقول : إذا جاء زيد فعمرو منطلق ، ولا يجوز حذف الفاء إلا إن ورد في شعر. وقيل : هم مرفوع بفعل محذوف يفسره يغفرون ، ولما حذف ، انفصل الضمير ، وهذا القول فيه نظر ، وهو أن جواب إذا يفسر كما يفسر فعل الشرط بعدها ، نحو : (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) (٢) ، ولا يبعد جواز ذلك على مذهب سيبويه ، إذ جاء ذلك في أداة الشرط الجازمة ، نحو : إن ينطلق زيد ينطلق ، فزيد عنده فاعل بفعل محذوف يفسره الجواب ، أي ينطلق زيد ، منع ذلك الكسائي والفراء. وقال الزمخشري : هم يغفرون ، أي هم الأخصاء بالغفران ، في حال الغضب لا يغول الغضب أحلامهم ، كما يغول حلوم الناس. والمجيء لهم وإيقاعه مبتدأ ، وإسناد يغفرون إليه لهذه الفائدة. انتهى ، وفيه حض على كسر الغضب. وفي الحديث : «أوصني ، قال : لا تغضب ، قال : زدني ، قال : لا تغضب ، قال : زدني ، قال : لا تغضب».
(وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ) ، قيل : نزلت في الأنصار ، دعاهم الله للإيمان به وطاعته فاستجابوا له. وكانوا قبل الإسلام ، وقبل أن يقدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم المدينة ، إذا نابهم أمر تشاوروا ، فأثنى الله عليهم ، لا ينفردون بأمر حتى يجتمعوا عليه. وعن الحسن : ما تشاور قوم إلا هدوا لأرشد أمرهم. انتهى. وفي الشورى اجتماع الكلمة والتحاب والتعاضد على الخير. وقد شاور الرسول عليهالسلام فيما يتعلق بمصالح الحروب والصحابة بعده في ذلك ، كمشاورة عمر للهرمز. وفي الأحكام ، كقتال أهل الردّة ، وميراث الحربي ، وعدد
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٣١.
(٢) سورة الانشقاق : ١٨ / ١.