يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ، وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ، وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ، صِراطِ اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ).
الظاهر أن (وَقالَ) ماض لفظا ومعنى ، أي (وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا) في الحياة الدنيا ، ويكون يوم القيامة معمولا لخسروا ، ويحتمل أن يكون معنى (وَقالَ) : ويقول ، ويوم القيامة معمول لو يقولوا ، أي ويقولوا في ذلك اليوم لما عاينوا ما حل بالكفار وأهليهم. الظاهر أنهم الذين كانوا أهليهم في الدنيا ، فإن كانوا معهم في النار فقد خسروهم ، أي لا ينتفعون بهم ؛ وإن كانوا في الجنة لكونهم كانوا في الجنة لكونهم كانوا مؤمنين ، كآسية امرأة فرعون ، فهم لا ينتفعون بهم أيضا. وقيل : أهلوهم ما كان أعد لهم من الحور لو كانوا آمنوا ، والظاهر أن قوله : (أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ) من كلام المؤمنين ؛ وقيل : استئناف إخبار من الله تعالى.
(مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ) ، قيل : هو يوم ورود الموت ، والظاهر أنه يوم القيامة. و (مِنَ اللهِ) متعلق بمحذوف يدل عليه ما مر ، أي لا يرد ذلك اليوم من ما حكم الله به فيه. وقال الزمخشري : (مِنَ اللهِ) : من صلة للامرد. انتهى ، وليس الجيد ، إذ لو كان من صلته لكان معمولا له ، فكان يكون معربا منونا. وقيل : (مِنَ اللهِ) يتعلق بقوله : (يَأْتِيَ) ، من قبل أن يأتي من الله يوم لا يقدر أحد على رده. (ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ) تلجأون إليه ، فتتخلصون من العذاب ، وما لكم من إنكار شيء من أعمالكم التي توردكم النار ، والنكير مصدر أنكر على غير قياس. قيل : ويحتمل أن يكون اسم فاعل للمبالغة ، وفيه بعد ، لأن نكر معناه لم يميز. (فَإِنْ أَعْرَضُوا) الآية : تسلية للرسول وتأنيس له ، وإزالة لهمه بهم. والإنسان : يراد به الجنس ، ولذلك جاء : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ). وجاء جواب الشرط (فَإِنَّ الْإِنْسانَ) ولم يأت فإنه ، ولا فإنهم ، ليدل على أن هذا الجنس موسوم بكفران النعم ، كما قال : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) (١) ، (إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) (٢).
ولما ذكر أنه يكفر النعم ، أتبع ذلك بأن له ملك العالم العلوي والسفلي ، وأنه يفعل
__________________
(١) سورة إبراهيم : ١٤ / ٣٤.
(٢) سورة العاديات : ١٠٠ / ٦.