المحتجب بعض خواصه ، وهو من وراء حجاب ، فيسمع صوته ولا يرى شخصه ، وذلك كما كلم الله موسى ويكلم الملائكة.
وإما على أن يرسل إليه رسولا من الملائكة فيوحي الملك إليه ، كما كلم الأنبياء غير موسى. انتهى ، وهو على طريق المعتزلة في استحالة رؤية الله تعالى ونفي الكلام الحقيقي عن الله.
وكل هذه الأقسام الثلاثة يصدق عليها أنها وحي ، وخص الأول باسم الوحي هنا ، لأن ما يقع في القلب على سبيل الإلهام يقع دفعة واحدة ، فكان تخصيص لفظ الوحي به أولى. وقيل : (وَحْياً) كما أوحى إلى الرسل بواسطة الملائكة ، أو (يُرْسِلَ رَسُولاً) : أي نبيا ، كما كلم أمم الأنبياء على ألسنتهم ، حكاه الزمخشري ، وترك تفسير (أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) ، ومعناه في هذا القول : كما كلم محمدا وموسى صلىاللهعليهوسلم. وقرأ الجمهور : (حِجابٍ) ، مفردا ؛ وابن أبي عبلة : حجب جمعا. وقرأ الجمهور : بنصب الفعلين عطف ، أو يرسل على المضمر الذي يتعلق به من وراء حجاب تقديره : أو يكلمه من وراء حجاب ، وهذا المضمر معطوف على وحيا ، والمعنى : إلا بوحي أو سماع من وراء حجاب ، أو إرسال رسول فيوحي ذلك الرسول إلى النبي الذي أرسل عنه بإذن الله ما يشاء ، ولا يجوز أن يطف (أَوْ يُرْسِلَ) على (أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ) لفساد المعنى. وقال الزمخشري : ووحيا ، وأن يرسل ، مصدران واقعان موقع الحال ، لأن أن يرسل في معنى إرسالا ، ومن وراء حجاب ظرف واقع موقع الحال أيضا ، كقوله : (وَعَلى جُنُوبِهِمْ) (١) ، والتقدير : وما صح أن يكلم أحدا إلا موحيا أو مسمعا من وراء حجاب ، أو مرسلا. انتهى. أما وقوع المصدر موقع الحال ، فلا ينقاس ، وإنما قالته العرب. وكذلك لا يجوز : جاء زيد بكاء ، تريد باكيا ، وقاس منه المبرد ما كان منه نوعا للفعل ، نحو : جاء زيد مشيا أو سرعة ، ومنع سيبويه أن يقع أن والفعل المقدر بالمصدر موقع الحال ، فلا يجوز ، نحو : جاء زيد أن يضحك في معنى ضحك الواقع موقع ضاحكا ، فجعله وحيا مصدرا في موضع الحال مما لا ينقاس ، وأن يرسل في معنى إرسالا الواقع موقع مرسلا ممنوع بنص سيبويه. وقرأ نافع وأهل المدينة : أو يرسل رسولا فيوحي بالرفع فيهما ، فخرج على إضمار هو يرسل ، أو على ما يتعلق به من وراء ، إذ تقديره : أو يسمع من وراء حجاب ، ووحيا مصدر في موضع
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ١٩١.