ولو لا كثرة الباكين حولي |
|
على إخوانهم لقتلت نفسي |
وما يبكون مثل أخي ولكن |
|
أعزي النفس عنه بالتأسي |
فهذا التأسي قد كفاها مؤنة قتل النفس ، فنفي الله عنهم الانتفاع بالتأسي ؛ وفي ذلك تعذيب لهم ويأس من كل خير ؛ وهذا لا يكون إلا على تقدير أن يكون الفاعل ينفعكم أنكم ومعمولاها ، أي ولن ينفعكم اشتراككم في العذاب إن لن يخفف عنكم اشتراككم في العذاب. وإذا كان الفاعل غير أن ، وهو ضمير ، يعود على ما يفهم من الكلام قبله ، أي يتمنى مباعدة القرين والتبرؤ منه ، ويكون أنكم تعليلا ، أي لاشتراككم في العذاب كما كنتم مشتركين في سببه ، وهو الكفر. وقال مقاتل المعنى : ولن ينفعكم اليوم الاعتذار والندم ، لأنكم وقرناءكم مشتركون في العذاب ، كما اشتركتم في الكفران في الدنيا. وعلى كون الفاعل غير أن ، وهي قراءة الجمهور ، لا يتضمن الكلام نفي التأسي. وقرىء : إنكم بالكسر ، فدل على إضمار الفاعل ، ويقويه حمل أنكم بالفتح على التعليل. واليوم وإذ ظرفان ، فاليوم ظرف حال ، وإذ ظرف ماض. أما ظرف الحال فقد يعمل فيه المستقبل لقربه منه ، أو لتجوز في المستقبل ، كقوله : (فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ) (١) ، وقول الشاعر :
سأشقى الآن إذ بلغت مناها
وأما إذ فماض لا يعمل فيه المستقبل ، فقال الزمخشري : وإذ بدل من اليوم. انتهى. وحمل إذ ظلمتم على معنى إذ تبين ووضح ظلمكم ، ولم يبق لأحد ولا لكم شبهة في أنكم كنتم ظالمين ، ونظيره :
إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة
أي تبين أني ولد كريمة. انتهى. ولا يجوز فيه البدل على بقاء إذ على موضوعها من كونها ظرفا لما مضى من الزمان. فإن جعلت لمطلق الوقت جاز ، وتخريجها على البدل ، أخذه الزمخشري من ابن جني. قال في مساءلته أبا علي : راجعته فيها مرارا ، وآخر ما حصل منه أن الدنيا والآخرة متصلتان ، وهما سواء في حكم الله وعلمه ، فيكون إذ بدلا من اليوم ، حتى كأنها مستقبلة ، أو كأن اليوم ماض. وقيل : التقدير بعد إذ ظلمتم ، فحذف المضاف للعلم به. وقيل : إذ للتعليل حرفا بمعنى إن. وقال الحوفي : اليوم ظرف متعلق بينفعكم ، ولا يجوز تعلق إذ به ، لأنهما ظرفا زمان ، يعني متغايرين في المعنى تغايرا
__________________
(١) سورة الجن : ٧٢ / ٩.