وحدوثه ، وذلك أن آية عرضها موسى ، هي العصا واليد ، وكانت أكبر آياته ، ثم كل آية بعد ذلك كانت تقع فيعظم عندها مجيئها وتكبر ، لأنهم كانوا نسوا التي قبلها ، فهذا كما قال الشاعر :
على أنها تعفو الكلوم وإنما |
|
يوكل بالأدنى وإن جل ما يمضي |
وذهب الطبري إلى أن الآيات هنا الحجج والبينات. انتهى. وقيل : كانت من كبار الآيات ، وكانت كل واحدة أكبر من التي قبلها ؛ فعلى هذا يكون ثم صفة محذوفة ، أي من أختها السابقة عليها ، ولا يبقى في الكلام تعارض ، ولا يكون ذلك الحكم في الآية الأولى ، لأنه لم يسبقها شيء ، فتكون أكبر منه. وقيل : الأولى تقتضي علما ، والثانية تقتضي علما منضما إلى علم الأولى ، فيزداد الرجوح. وكنى بأختها : مناسبتها ، تقول : هذه الذرة أخت هذه ، أي مناسبتها. (وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ) : (بِالسِّنِينَ ، وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ) (١) و (الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ) (٢) ، وذلك عقاب لهم ، وآيات لموسى (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) عن كفرهم. قال الزمخشري : لعلهم يرجعون ، أراد أن يرجعوا عن الكفر إلى الإيمان. فإن قلت : لو أراد رجوعهم لكان. قلت : إرادته فعل غيره ، ليس إلا أن يأمره به ويطلب منه إيجاده ، فإن كان ذلك على سبيل القسر وجد ، وإلا دار بين أن يوجد وبين أن لا يوجد على اختيار المكلف ، وإنما لم يكن الرجوع ، لأن الإرادة لم تكن قسرا ولم يختاروه. انتهى ، وهو على طريق الاعتزال. وقال ابن عطية : لعلهم ، ترجّ بحسب معتقد البشر وظنهم.
(وَقالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ) : أي في كشف العذاب. قال الجمهور : هو خطاب تعظيم ، لأن السحر كان علم زمانهم ، أو لأنهم استصحبوا له ما كانوا يدعون به أولا ، ويكون قولهم : (بِما عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ) : إخبار مطابق مقصود ، وقيل : بل خطاب استهزاء وانتقاص ويكون قولهم : (بِما عَهِدَ عِنْدَكَ) ، أي على زعمك ، وقوله : و (إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ) : إخبار مطابق على شرط دعائه ، وكشف العذاب وعهد معزوم على نكثه. ألا ترى : (فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ)؟ وعلى القول الأول يكون قوله : (فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ) جاريا على أكثر عادة الناس ، إذا مسه الضر تضرع ودعا ، وإذا كشف عنه رجع إلى عادته الأولى ، كقوله : (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ
__________________
(١) سورة الأعراف : ٧ / ١٣٠.
(٢) سورة الأعراف : ٧ / ١٣٣.