إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ) (١) ، ثم إذا كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه. وقوله : (بِما عَهِدَ عِنْدَكَ) ، محتمل أن يكون من أن دعوتك مستجابة ، وفي الكلام حذف ، أي فدعا موسى ، فكشف (فَلَمَّا كَشَفْنا). وقرأ أبو حيوة : ينكثون ، بكسر الكاف.
(وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ) : جعل القوم محلا للنداء ، والظاهر أنه نادى عظماء القبط في محله الذي هو وهم يجتمعون فيه ، فرفع صوته فيما بينهم لتنتشر مقالته في جميع القبط. ويجوز أن يكون أمر بالنداء ، فأسند إليه. وسبب ندائه ذلك ، أنه لما رأى إجابة الله دعوة موسى ورفع العذاب ، خاف ميل القوم إليه ، فنادى : (قالَ يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ) ، أراد أن يبين فضله على موسى بملك مصر ، وهي من إسكندرية إلى أسوان. (وَهذِهِ الْأَنْهارُ) : أي الخلجان التي تجري من النيل ، وأعظمها : نهر الملك ، ونهر طولون ، ونهر دمياط ، ونهر تنيس. والواو في (وَهذِهِ الْأَنْهارُ) واو الحال ، وتجري خبر. وهذه الأنهار صفة ، أو عطف بيان. وجوز أن تكون الواو عاطفة على ملك مصر ، وتجري حال. من تحتي : أي من تحت قهري وملكي. وقال قتادة : كانت جنانها وأنهارها تجري من تحت قصره. وقيل : كان له سرير عظيم ، وقطع من نيل مصر قطعة قسمها أنهارا تجري من تحت ذلك السرير. وأبعد الضحاك في تفسيره الأنهار بالقواد والرؤساء الجبابرة ، يسيرون تحت لوائه. ومن فسرها بالأموال ، يعرفها من تحت يده. ومن فسرها بالخيل فقيل : كما سمى الفرس بحرا يسمي نهرا. وهذه الأقوال الثلاثة تقرب من تفاسير الباطنية.
(أَفَلا تُبْصِرُونَ) عظمتي وقدرتي وعجز موسى؟ وقرأ مهدي بن الصفير : يبصرون ، بياء الغيبة ؛ ذكره في الكامل للهذلي ، والسباعي ، عن يعقوب ، ذكره ابن خالويه. قال الزمخشري : وليت شعري! كيف ارتقت إلى دعوى الربوبية همة من تعاظم بملك مصر؟ وعجب الناس من مدى عظمته ، وأمر فنودي بها في أسواق مصر وأزقتها ، لئلا تخفى تلك الأبهة والجلالة على صغير ولا كبير حتى يتربع في صدور الدهماء مقدار عزته وملكوته. وكسر نون (أَفَلا تُبْصِرُونَ) ، عيسى. وعن الرشيد ، أنه لما قرأها قال : لأولينها أحسن عبيدي ، فولاها الخصيب ، وكان على وضوئه. وعن عبد الله بن طاهر أنه وليها فخرج إليها ، فلما شارفها ووقع عليها قال : أهي القرية التي افتخر بها فرعون حتى قال : (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ)؟ والله لهي أقل عندي من أن أدخلها ، فثنى عنانه. (أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ) : الظاهر أنها أم المنقطعة المقدرة ببل والهمزة ، أي بل أنا خير. وهو إذا
__________________
(١) سورة العنكبوت : ٢٩ / ٦٥.