استفهم أهو خير ممن هو ضعيف؟ لا يكاد يفصح عن مقصوده إذا تكلم ، وهو الملك المتحكم فيهم ، قالوا له : بلا شك أنت خير. وقال السدي وأبو عبيدة : أم بمعنى بل ، فيكون انتقل من ذلك الكلام إلى إخباره بأنه خير ممن ذكر ، كقول الشاعر :
بدت مثل قرن الشمس في رونق الضحى |
|
وصورتها أم أنت في العين أملح |
وقال سيبويه : أم هذه المعادلة : أي أم يبصرون الأمر الذي هو حقيقي أن يبصر عنده ، وهو أنه خير من موسى. وهذا القول بدأ به الزمخشري فقال : أم هذه متصلة ، لأن المعنى : أفلا تبصرون؟ أم تبصرون؟ إلا أنه وضع قوله : (أَنَا خَيْرٌ) موضع (تُبْصِرُونَ) ، لأنهم إذا قالوا : أنت خير ، فهم عنده بصراء ، وهذا من إنزال السبب منزلة المسبب. انتهى. وهذا القول متكلف جدا ، إذ المعادل إنما يكون مقابلا للسابق ، وإن كان السابق جملة فعلية ، كان المعادل جملة فعلية ، أو جملة اسمية ، يتقدر منها فعلية كقوله (أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ) (١)؟ لأن معناه : أم صمتم؟ وهنا لا يتقدر منها جملة فعلية ، لأن قوله : (أَمْ أَنَا خَيْرٌ)؟ ليس مقابلا لقوله : (أَفَلا تُبْصِرُونَ)؟ وإن كان السابق اسما ، كان المعادل اسما ، أو جملة فعلية يتقدر منها اسم ، نحو قوله :
أمخدج اليدين أم أتمت
فأتمت معادل للاسم ، فالتقدير : أم متما؟ وقيل : حذف المعادل بعد أم لدلالة المعنى عليه ، إذ التقدير : تبصرون ، فحذف تبصرون ، وهذا لا يجوز إلا إذا كان بعد أم لا ، نحو : أيقوم زيد أم لا؟ تقديره : أم لا يقوم؟ وأزيد عندك أم لا ، أي أم لا هو عندك. فأما حذفه دون لا ، فليس من كلامهم. وقد جاء حذف أم والمعادل ، وهو قليل. قال الشاعر :
دعاني إليها القلب إني لأمرها |
|
سميع فما أدري أرشد طلابها |
يريد أم غيّ. وحكى الفراء أنه قرأ : أما أنا خير ، دخلت الهمزة على ما النافية فأفادت التقدير. (وَلا يَكادُ يُبِينُ) : الجمهور ، أنه كان بلسانه بعض شيء من أثر الجمرة. ومن ذهب إلى أن الله كان أجابه في سؤاله : (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي) (٢) ، فلم يبق لها أثر جعل انتفاء الإبانة بأنه لا يبين حجته الدالة على صدقه فيما يدعي ، لأنه لا قدرة له على إيضاح المعنى لأجل كلامه. وقيل : عابه بما كان عليه موسى من الخسة أيام كان عند فرعون ، فنسب إلى ما عهده مبالغة في التعبير. وقول فرعون : (وَلا يَكادُ يُبِينُ) ، كذب
__________________
(١) سورة الأعراف : ٧ / ١٩٣.
(٢) سورة طه : ٢٠ / ٢٧.