غيرهم مبتدأ ، ويرفعون ما بعده على الخبر. وقال أبو زيد : سمعتهم يقرأون : تجدوه عند الله هو خير وأعظم أجرا (١) يعني : برفع خير وأعظم. وقال قيس بن دريج :
نحن إلى ليلى وأنت تركنها |
|
وكنت عليها بالملا أنت أقدر |
قال سيبويه : إن رؤبة كان يقول : أظن زيدا هو خير منك ، يعني بالرفع. (وَنادَوْا يا مالِكُ) : تقدم أنهم مبلسون ، أي ساكتون ، وهذه أحوال لهم في أزمان متطاولة ، فلا تعارض بين سكوتهم وندائهم. وقرأ الجمهور : يا مالك. وقرأ عبد الله ، وعليّ ، وابن وثاب ، والأعمش : يا مال ، بالترخيم ، على لغة من ينتظر الحرف. وقرأ أبو السرار الغنوي : يا مال ، بالبناء على الضم ، جعل اسما على حياله. واللام في : (لِيَقْضِ) لام الطلب والرغبة. والمعنى : يمتنا مرة حتى لا يتكرر عذابنا ، كقوله : (فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ) (٢) ، أي أماته. (قالَ) : أي ما لك ، (إِنَّكُمْ ماكِثُونَ) : أي مقيمون في النار لا تبرحون. وقال ابن عباس : يجيبهم بعد مضي ألف سنة ، وقال نوف : بعد مائة ، وقيل : ثمانين ، وقال عبد الله بن عمرو : أربعين. (لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِ) : يظهر أنه من كلام الله تعالى. وقيل : من كلام بعض الملائكة ، كما يقول أحد خدم الرئيس : أعلمناكم وفعلنا بكم. قيل : ويحتمل أن يكون (لَقَدْ جِئْناكُمْ) من قول الله لقريش بعقب حكاية أمر الكفار مع مالك ، وفي هذا توعد وتخويف بمعنى : انظروا كيف يكون حالكم. (أَمْ أَبْرَمُوا) : والضمير لقريش ، أي بل أحكموا أمرا من كيدهم للرسول ومكرهم ، (فَإِنَّا مُبْرِمُونَ) كيدنا ، كما أبرموا كيدهم ، كقوله : (أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ) (٣) ، وكانوا يتناجون ويتسارعون في أمر الرسول ، فقال تعالى : (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ) ، وهو ما يحدث به الرجل نفسه أو غيره في مكان خال. (وَنَجْواهُمْ) : وهي ما تكلموا به فيما بينهم. (بَلى) : أي نسمعها ، (رُسُلُنا) ، وهم الحفظة.
(قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ) ، كما تقولون ، (فَأَنَا أَوَّلُ) من يعبده على ذلك ، ولكن ليس له شيء من ذلك. وأخذ الزمخشري هذا القول وحسنه بفصاحته فقال : إن كان للرحمن ولد ، وصح ذلك وثبت ببرهان صحيح يوردونه ، وحجة واضحة يبذلونها ، فأنا أول من يعظم ذلك الولد ، وأسبقكم إلى طاعته والانقياد له ، كما يعظم الرجل ولد الملك لعظم
__________________
(١) سورة المزمل : ٧٣ / ٢٠ ، والصحيح : «تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا».
(٢) سورة القصص : ٢٨ / ١٥.
(٣) سورة الطور : ٥٢ / ٤٢.