الرفع للواو ليس بصحيح ، لأن الصحيح من المذاهب أن حرف العطف لا يعمل ؛ ومن منع العطف على مذهب الأخفش ، أضمر حرف الجر فقدر. وفي اختلاف ، فالعمل للحرف مضمرا ، ونابت الواو مناب عامل واحد ؛ ويدل على أن في مقدرة قراءة عبد الله : وفي اختلاف ، مصرحا وحسن حذف في تقدمها في قوله : (وَفِي خَلْقِكُمْ) ؛ وخرج أيضا النصب في آيات على التوكيد لآيات المتقدمة ، ولإضمار حرف في وقرىء واختلاف بالرفع على خبر مبتدأ محذوف ، أي هي آيات ولإضمار حرف أيضا. وقرأ : واختلاف الليل والنهار آية بالرفع في اختلاف ، وفي آية موحدة ؛ وكذلك (وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ). وقرأ زيد بن علي ، وطلحة ، وعيسى : (وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ).
وقال الزمخشري : والمعنى أن المنصفين من العباد ، إذا نظروا في السموات والأرض النظر الصحيح ، علموا أنها مصنوعة ، وأنه لا بد لها من صانع ، فآمنوا بالله وأقروا. فإذا نظروا في خلق أنفسهم وتنقلها من حال إلى حال وهيئة إلى هيئة ، وفي خلق ما على ظهر الأرض من صنوف الحيوان ، ازدادوا إيمانا وأيقنوا وانتفى عنهم اللبس. فإذا نظروا في سائر الحوادث التي تتجدد في كل وقت ، كاختلاف الليل والنهار ، ونزول الأمطار ، وحياة الأرض بها بعد موتها ، وتصريف الرياح جنوبا وشمالا وقبولا ودبورا ، عقلوا واستحكم علمهم وخلص يقينهم. وقال أبو عبد الله الرازي : ذكر في البقرة ثمانية دلائل ، وهنا ستة ؛ لم يذكر الفلك والسحاب ، والسبب في ذلك أن مدار الحركة للفلك والسحاب على الرياح المختلفة ، فذكر الرياح ؛ وهناك جعل مقطع الثمانية واحدا ، وهنا رتبها على مقاطع ثلاثة : يؤمنون ، يوقنون ، يعقلون. قال : وأظن سبب هذا الترتيب : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ*) (١) ، فافهموا هذه الدلائل ؛ فإن لم تكونوا مؤمنين ولا موقنين ، فلا أقل أن تكونوا من العاقلين ، فاجتهدوا. وقال هناك : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ) (٢) ، وهنا : (فِي السَّماواتِ) ، فدل على أن الخلق غير المخلوق ، وهو الصحيح عند أصحابنا ، ولا تفارق بين أن يقال : في السموات ، وفي خلق السموات. انتهى ، وفيه تلخيص وتقديم وتأخير.
(تِلْكَ آياتُ اللهِ) : أي تلك الآيات ، وهي الدلائل المذكورة ؛ (نَتْلُوها) : أي نسردها عليك ملتبسة بالحق ، ونتلوها في موضع الحال ، أي متلوة. قال الزمخشري : والعامل ما دل عليه تلك من معنى الإشارة ونحوه ، وهذا بعلي شيخا. انتهى ، وليس نحوه ،
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٩١ ، وفي وغيرها من الآيات.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ١٦٤ ، وفي غيرها من الآيات.