فكان الخلق معللا بالجزاء. وقال الزمخشري : أو على معلل محذوف تقديره : ليدل بها على قدرته ، (وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ). وقال ابن عطية : ويحتمل أن تكون لام الصيرورة ، أي فصار الأمر منها من حيث اهتدى بها قوم وضل عنها آخرون ، لأن يجازى كل واحد بعمله ، وبما اكتسب من خير أو شر. انتهى. (أَفَرَأَيْتَ) الآية ، قال مقاتل : نزلت في الحرث بن قيس السهمي ، وأ فرأيت : هو بمعنى أخبرني ، والمفعول الأول هو : (مَنِ اتَّخَذَ) ، والثاني محذوف تقديره بعد الصلاة التي لمن اهتدى ، يدل عليه قوله بعد : (فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ) ، أي لا أحد يهديه من بعد إضلال الله إياه. (مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) : أي هو مطواع لهوى نفسه ، يتبع ما تدعوه إليه ، فكأنه يعبده ، كما يعبد الرجل إلهة. قال ابن جبير ، إشارة إلى الأصنام : إذ كانوا يعبدون ما يهوون من الحجارة. وقال قتادة : لا يهوى شيئا إلا ركبه ، لا يخاف الله ، فلهذا يقال : الهوى إله معبود. وقرأ الأعرج ، وأبو جعفر : آلهة ، بتاء التأنيث ، بدل من هاء الضمير. وعن الأعرج أنه قرأ : آلهة على الجمع. قال ابن خالويه : ومعناه أن أحدهم كان يهوى الحجر فيعبده ، ثم يرى غيره فيهواه ، فيلقي الأول ، فكذلك قوله : (إِلهَهُ هَواهُ) الآية. وإن نزلت في هوى الكفر ، فهي متناولة جميع هوى النفس الأمارة. قال ابن عباس : ما ذكر الله هوى إلّا ذمه. وقال وهب : إذا شككت في خبر أمرين ، فانظر أبعدهما من هواك فأته. وقال سهل التستري : هواك داؤك ، فإن خالفته فدواؤك. وفي الحديث : «والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني». ومن حكمة الشعر قول عنترة ، وهو جاهلي :
إني امرؤ وسمح الخليقة ماجد |
|
لا أتبع النفس اللجوج هواها |
وقال أبو عمران موسى بن عمران الإشبيلي الزاهد ، رحمهالله تعالى :
فخالف هواها واعصها إن من يطع |
|
هوى نفسه ينزع به شر منزع |
ومن يطع النفس اللجوج ترده |
|
وترم به في مصرع أي مصرع |
(وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ) : أي من الله تعالى سابق ، أو على علم من هذا الضال بأن الحق هو الدين ، ويعرض عنه عنادا ، فيكون كقوله : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) (١). وقال الزمخشري : صرفه عن الهداية واللطف ، وخذله عن علم ، عالما بأن ذلك لا يجدي عليه ، وأنه ممن لا لطف به ، أو مع علمه بوجوه الهداية وإحاطته بأنواع
__________________
(١) سورة النمل : ٢٧ / ١٤.