العزم ؛ وأولوا العزم على التبعيض يقتضي أنهم رسل وغير رسل ؛ وعلى البيان يقتضي أنهم الرسل ، وكونها للتبعيض قول عطاء الخراساني والكلبي ، وللبيان قول ابن زيد. وقال الحسن بن الفضل : هم الثمانية عشر المذكورة في سورة الأنعام ، لأنه قال عقب ذكرهم : (فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) (١). وقال مقاتل : هم ستة : نوح صبر على أذى قومه طويلا ، وإبراهيم صبر على النار ، وإسحاق صبر نفسه على الذبح ، ويعقوب صبر على الفقد لولده وعمي بصره وقال فصبر جميل ، ويوسف صبر على السجن والبئر ، وأيوب على البلاء. وزاد غيره : وموسى قال قومه : (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ، قالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ) (٢) ، وداود بكى على خطيئته أربعين سنة ، وعيسى لم يضع لبنة على لبنة وقال : إنها معبر ، فاعبروها ولا تعمروها.
(وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ) : أي لكفار قريش بالعذاب ، أي لا تدع لهم بتعجيله ، فإنه نازل بهم لا محالة وإن تأخر ، وإنهم مستقصرن حينئذ مدة لبثهم في الدنيا ، كأنهم (لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً). وقرأ أبيّ : من النهار ؛ وقرأ الجمهور : من نهار. وقرأ الجمهور : بلاغ ، بالرفع ، والظاهر رجوعه إلى المدة التي لبثوا فيها ، كأنه قيل : تلك الساعة بلاغهم ، كما قال تعالى : (مَتاعٌ قَلِيلٌ*) (٣) ، فبلاغ خبر مبتدأ محذوف. قيل : ويحتمل أن يكون بلاغ يعني به القرآن والشرع ، أي هذا بلاغ ، أي تبليغ وإنذار. وقال أبو مجلز : بلاغ مبتدأ وخبره لهم ؛ ويقف على فلا تستعجل ، وهذا ليس بجيد ، لأن فيه تفكيك الكلام بعضه من بعض ، إذ ظاهر قوله : لهم ، أنه متعلق بقوله : فلا تستعجل لهم ، والحيلولة الجملة التشبيهية بين الخبر والمبتدأ. وقرأ الحسن ، وزيد بن علي ، وعيسى : بلاغا بالنصب ، فاحتمل أن يراد : بلاغا في القرآن ، أي بلغوا بلاغا ، أو بلغنا بلاغا. وقرأ الحسن أيضا : بلاغ بالجر ، نعتا لنهار. وقرأ أبو مجلز ، وأبو سراح الهذلي : بلغ علي الأمر ، للنبي صلىاللهعليهوسلم ، وهذا يؤيد حمل بلاغ رفعا ونصبا على أنه يعني به تبليغ القرآن والشرع. وعن أبي مجلز أيضا : بلغ فعلا ماضيا. وقرأ الجمهور : يهلك ، بضم الياء وفتح اللام ، وابن محيصن ، فيما حكى عنه ابن خالويه : بفتح الياء وكسر اللام ؛ وعنه أيضا : بفتح الياء واللام ، وماضيه هلك بكسر اللام ، وهي لغة. وقال أبو الفتح : هي مرغوب عنها. وقرأ زيد بن ثابت : يهلك ، بضم الياء وكسر اللام. (إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ) : بالنصب ، وفي هذه الآية وعيد وإنذار.
__________________
(١) سورة الأنعام : ٦ / ٩٠.
(٢) سورة الشعراء : ٢٦ / ٦١ ـ ٦٢.
(٣) سورة النحل : ١٦ / ١١٧.