الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً ، لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللهِ فَوْزاً عَظِيماً ، وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً. وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً ، إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً ، لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ، إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً).
هذه السورة مدنية ، وعن ابن عباس أنها نزلت بالمدينة ، ولعل بعضا منها نزل ، والصحيح أنها نزلت بطريق منصرفه صلىاللهعليهوسلم من الحديبية ، سنة ست من الهجرة ، فهي تعد في المدني. ومناسبتها لما قبلها أنه تقدم : (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا) (١) الآية ، وهي خطاب لكفار قريش ، أخبر رسوله بالفتح العظيم ، وأنه بهذا الفتح حصل الاستبدال ، وآمن كل من كان بها ، وصارت مكة دار إيمان. ولما قفل رسول الله صلىاللهعليهوسلم من صلح الحديبية ، تكلم المنافقون وقالوا : لو كان محمد نبيا ودينه حق ، ما صد عن البيت ، ولكان فتح مكة. فأكذبهم الله تعالى ، وأضاف عزوجل الفتح إلى نفسه ، إشعارا بأنه من عند الله ، لا بكثرة عدد ولا عدد ، وأكده بالمصدر ، ووصفه بأنه مبين ، مظهر لما تضمنه من النصر والتأييد. والظاهر أن هذا الفتح هو فتح مكة. وقال الكلبي ، وجماعة : وهو المناسب لآخر السورة التي قبل هذه لما قال : (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ) (٢) الآية ، بين أنه فتح لهم مكة ، وغنموا وحصل لهم أضعاف ما أنفقوا ؛ ولو بخلوا ، لضاع عليهم ذلك ، فلا يكون بخلهم إلا على أنفسهم. وأيضا لما قال : (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ) (٣) ، بين برهانه بفتح مكة ، فإنهم كانوا هم الأعلين. وأيضا لما قال : (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ) (٤) ، كان فتح مكة حيث لم يلحقهم وهن ، ولا دعوا إلى صلح ، بل أتى صناديد قريش مستأمنين مستسلمين مسلمين. وكانت هذه البشرى بلفظ الماضي ، وإن كان لم يقع ، لأن إخباره تعالى بذلك لا بد من وقوعه ، وكون هذا الفتح هو فتح مكة بدأ به الزمخشري. وقال الجمهور : هو فتح الحديبية ؛ وقاله : السدي ، والشعبي ، والزهري. قال ابن عطية : وهو الصحيح. انتهى. ولم يكن فيه قتال
__________________
(١) سورة محمد : ٤٧ / ٣٨.
(٢) سورة محمد : ٤٧ / ٣٨.
(٣) سورة محمد : ٤٧ / ٣٥.
(٤) سورة محمد : ٤٧ / ٣٥.