فيعرفون فضل الله عليهم بتيسير الأمن بعد الخوف ، والهدنة بعد القتال ، فيزدادوا يقينا إلى يقينهم. وقيل : السكينة إشارة إلى ما جاء به الرسول صلىاللهعليهوسلم من الشرائع ، ليزدادوا إيمانا بها إلى إيمانهم ، وهو التوحيد ؛ روي معناه عن ابن عباس. وقيل : الوقار والعظمة لله ولرسوله. وقيل : الرحمة ليتراحموا ، وقاله ابن عباس. (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : إشارة إلى تسليم الأشياء إليه تعالى ، ينصر من شاء ، وعلى أي وجه شاء ، ومن جنده السكينة ثبتت قلوب المؤمنين. (لِيُدْخِلَ) : هذه اللام تتعلق ، قيل : بإنا فتحنا لك. وقيل : بقوله : (لِيَزْدادُوا). فإن قيل : (وَيُعَذِّبَ) عطف عليه ، والازدياد لا يكون سببا لتعذيب الكفار ، أجيب عن هذا بأنه ذكر لكونه مقصودا للمؤمن ، كأنه قيل : بسبب ازديادكم في الإيمان يدخلكم الجنة ويعذب الكفار بأيديكم في الدنيا. وقيل : بقوله : (وَيَنْصُرَكَ اللهُ) : أي بالمؤمنين. وهذه الأقوال فيها بعد. وقال الزمخشري : (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، يسلط بعضها على بعض ، كما يقتضيه علمه وحكمته. ومن قضيته أن صلح قلوب المؤمنين بصلح الحديبية ، وإن وعدهم أن يفتح لهم ، وإنما قضى ذلك ليعرف المؤمنون نعمة الله فيه ويشكرون ، فيستحقوا الثواب ، فيثيبهم ، ويعذب الكافرين والمنافقين ، لما غاظهم من ذلك وكرهوه. انتهى. ولا يظهر من كلامه هذا ما تتعلق به اللام ؛ والذي يظهر أنها تتعلق بمحذوف يدل عليه الكلام ، وذلك أنه قال : (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ). كان في ذلك دليل على أنه تعالى يبتلي بتلك الجنود من شاء ، فيقبل الخير من قضى له بالخير ، والشر من قضى له بالشر. (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ) جنات ، ويعذب الكفار. فاللام تتعلق بيبتلي هذه ، وما تعلق بالابتلاء من قبول الإيمان والكفر. (وَيُكَفِّرَ) : معطوف على ليدخل ، وهو ترتيب في الذكر لا ترتيب في الوقوع. وكان التبشير بدخول الجنة أهم ، فبدىء به. ولما كان المنافقون أكثر ضررا على المسلمين من المشركين ، بدىء بذكرهم في التعذيب.
(الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ) : الظاهر أنه مصدر أضيف إلى ما يسوء المؤمنين ، وهو أن المشركين يستأصلونهم ولا ينصرون ، ويدل عليه : (عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ) ، و (بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً) (١). وقيل : (ظَنَّ السَّوْءِ) : ما يسوء المشركين من إيصال الهموم إليهم ، بسبب علو كلمة الله ، وتسليط رسوله قتلا وأسرا ونهبا. ثم أخبر أنهم يستعلي عليهم السوء ويحيط بهم ، فاحتمل أن يكون خبرا حقيقة ، واحتمل أن يكون هو وما بعده دعاء عليهم. وتقدم الكلام على هذه الجملة في سورة براءة. وقيل :
__________________
(١) سورة الفتح : ٤٨ / ١٢.