النبي صلىاللهعليهوسلم ، وفعل قوم في بعض غزواته شيئا بآرائهم ، فنزلت هذه الآية ناهية عن جميع ذلك. فقال ابن عباس : نهوا أن يتكلموا بين يدي كلامه. وتقول العرب : تقدمت في كذا وكذا ، وقدمت إذ قلت فيه.
وقرأ الجمهور : لا تقدموا ، فاحتمل أن يكون متعديا ، وحذف مفعوله ليتناول كل ما يقع في النفس مما تقدم ، فلم يقصد لشيء معين ، بل النهي متعلق بنفس الفعل دون تعرض لمفعول معين ، كقولهم : فلان يعطي ويمنع. واحتمل أن يكون لازما بمعنى تقدم ، كما تقول : وجه بمعنى توجه ، ويكون المحذوف مما يوصل إليه بحرف ، أي لا تتقدّموا في شيء ما من الأشياء ، أو بما يحبون. ويعضد هذا الوجه قراءة ابن عباس وأبي حيوة والضحاك ويعقوب وابن مقسم. لا تقدموا ، بفتح التاء والقاف والدال على اللزوم ، وحذفت التاء تخفيفا ، إذ أصله لا تتقدموا. وقرأ بعض المكيين : تقدموا بشد التاء ، أدغم تاء المضارعة في التاء بعدها ، كقراءة البزي. وقرىء : لا تقدموا ، مضارع قدم ، بكسر الدال ، من القدوم ، أي لا تقدموا إلى أمر من أمور الدين قبل قدومها ، ولا تعجلوا عليها ، والمكان المسامت وجه الرجل قريبا منه. قيل : فيه بين يدي المجلوس إليه توسعا ، لما جاور الجهتين من اليمين واليسار ، وهي في قوله : (بَيْنَ يَدَيِ اللهِ) ، مجاز من مجاز التمثيل. وفائدة تصوير الهجنة والشناعة فيها ؛ نهوا عنه من الإقدام على أمر دون الاهتداء على أمثلة الكتاب والسنة ؛ والمعنى : لا تقطعوا أمرا إلا بعد ما يحكمان به ويأذنان فيه ، فتكونوا عاملين بالوحي المنزل ، أو مقتدين برسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهذا ، وعلى هذا مدار تفسير ابن عباس. وقال مجاهد : لا تفتاتوا على الله شيئا حتى يقصه الله على لسان رسوله صلىاللهعليهوسلم ، وفي هذا النهي توطئة لما يأتي بعد من نهيهم عن رفع أصواتهم. ولما نهى أمر بالتقوى ، لأن من التقوى اجتناب المنهي عنه. (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) لأقوالكم ، (عَلِيمٌ) بنياتكم وأفعالكم.
ثم ناداهم ثانيا ، تحريكا لما يلقيه إليهم ، واستبعادا لما يتجدد من الأحكام ، وتطرية للإنصات. ونزلت بسبب عادة الأعراب من الجفاء وعلو الصوت. (لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ) : أي إذا نطق ونطقتم ، (وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ) إذا كلمتموه ، لأن رتبة النبوة والرسالة يجب أن توقر وتجل ، ولا يكون الكلام مع الرسول صلىاللهعليهوسلم كالكلام مع غيره. ولما نزلت ، قال أبو بكر رضياللهعنه : لا أكلمك يا رسول الله إلا السرار أو أخا السرار حتى ألقى الله. وعن عمر رضياللهعنه ، أنه كان يكلم النبي صلىاللهعليهوسلم كأخي السرار ، لا يسمعه حتى يستفهمه. وكان أبو بكر ، إذا قدم على الرسول صلىاللهعليهوسلم ، قوم ، أرسل إليهم من يعلمهم كيف يسلمون ، ويأمرهم