رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى الحارث ، فاستقبل الحارث البعث وقد فصل من المدينة ، فقالوا : هذا الحارث ، إلى من بعثتم؟ قالوا : إليك قال : ولم؟ فقالوا : بعث إليك الوليد ، فرجع وزعم أنك منعته الزكاة وأردت قتله ، قال : لا والذي بعث محمدا بالحق ما رأيت رسولك ، ولا أتاني ، وما أقبلت إلا حين احتبس عليّ رسولك خشية أن يكون سخطة من الله ورسوله ، قال : فنزلت هذه الآية.
وفاسق وبنبإ مطلقان ، فيتناول اللفظ كل واحد على جهة البدل ، وتقدم قراءة فتبينوا وفتثبتوا في سورة النساء ، وهو أمر يقتضي أن لا يعتمد على كلام الفاسق ، ولا يبنى عليه حكم. وجاء الشرط بحرف إن المقتضي للتعليق في الممكن ، لا بالحرف المقتضي للتحقيق ، وهو إذا ، لأن مجيء الرجل الفاسق للرسول وأصحابه بالكذب ، إنما كان على سبيل الندرة. وأمروا بالتثبت عند مجيئه لئلا يطمع في قبول ما يلقيه إليهم ، ونبا ما يترتب على كلامه. فإذا كانوا بمثابة التبين والتثبت ، كف عن مجيئهم بما يريد. (أَنْ تُصِيبُوا) : مفعول له ، أي كراهة أن يصيبوا ، أو لئلا تصيبوا ، (بِجَهالَةٍ) حال ، أي جاهلين بحقيقة الأمر معتمدين على خبر الفاسق ، (فَتُصْبِحُوا) : فتصيروا ، (عَلى ما فَعَلْتُمْ) : من إصابة القوم بعقوبة بناء على خبر الفاسق ، (نادِمِينَ) : مقيمين على فرط منكم ، متمنين أنه لم يقع. ومفهوم (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ) : قبول كلام غير الفاسق ، وأنه لا يتثبت عنده ، وقد يستدل به على قبول خبر الواحد العدل. وقال قتادة : لما نزلت هذه الآية ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «التثبت من الله والعجلة من الشيطان». وقال مقلد بن سعيد : هذه الآية ترد علي من قال : إن المسلمين كلهم عدول حتى تثبت الجرحة ، لأن الله تعالى أمر بالتبين قبل القبول. انتهى. وليس كما ذكر ، لأنه ما أمر بالتبيين إلا عند مجيء الفاسق ، لا مجيء المسلم ، بل بشرط الفسق. والمجهول الحال يحتمل أن يكون فاسقا ، فالاحتياط لازم.
(وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ) : هذا توبيخ لمن يكذب للرسول عليه الصلاة والسلام ، ووعيد بالنصيحة. ولا يصدر ذلك إلا ممن هو شاك في الرسالة ، لأن الله تعالى لا يترك نبيه صلىاللهعليهوسلم يعتمد على خبر الفاسق ، بل بين له ذلك. والظاهر أن قوله : (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ) كلام تام ، أمرهم بأن يعلموا أن الذي هو بين ظهرانيكم هو رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فلا تخبروه بما لا يصح ، فإنه رسول الله يطلعه على ذلك.
ثم أخبر تعالى أن رسوله صلىاللهعليهوسلم لو أطاعكم في كثير من الأمر الذي يؤدي إليه اجتهادكم وتقدمكم بين يديه (لَعَنِتُّمْ) : أي لشق عليكم. وقال مقاتل : لأثمتم. وقال الزمخشري :