عيي في قوله تعالى : (وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَ) (١). وقرأ الجمهور : افعيينا ، بياء مكسورة بعدها ياء ساكنة ، ماضي عيي ، كرضي. وقرأ ابن أبي عبلة ، والوليد بن مسلم ، والقورصي عن أبي جعفر ، والسمسار عن شيبة ، وأبو بحر عن نافع : بتشديد الياء من غير إشباع في الثانية ، هكذا قال أبو القاسم الهذلي في كتاب الكامل. وقال ابن خالويه في كتاب شواذ القراءات له : أفعينا بتشديد الياء. ابن أبي عبلة ، وفكرت في توجيه هذه القراءة ، إذ لم يذكر أحد توجيهها ، فخرجتها على لغة من أدغم الياء في الياء في الماضي ، فقال : عي في عيي ، وحي في حيي. فلما أدغم ، ألحقه ضمير المتكلم المعظم نفسه ، ولم يفك الإدغام فقال : عينا ، وهي لغة لبعض بكر بن وائل ، يقولون في رددت ورددنا : ردت وردنا ، فلا يفكون ، وعلى هذه اللغة تكون الياء المشدّدة مفتوحة. فلو كان نا ضمير نصب ، لاجتمعت العرب على الإدغام ، نحو : ردّنا زيد. وقال الحسن : الخلق الأول آدم عليهالسلام ، والمعنى : أعجزنا عن الخلق الأول ، فنعجز عن الخلق الثاني ، وهذا توقيف للكفار ، وتوبيخ وإقامة الحجة الواضحة عليهم. (بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ) : أي خلط وشبهة وحيرة ، ومنه قول علي : يا جار أنه لملبوس عليك ، اعرف الحق تعرف أهله. (مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) : أي من البعث من القبور.
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) : هذه آيات فيها إقامة حجج على الكفار في إنكارهم البعث ، والإنسان اسم جنس. وقيل : آدم. (وَنَحْنُ أَقْرَبُ) : قرب علم به وبأحواله ، لا يخفى عليه شيء من خفياته ، فكأن ذاته قريبة منه ، كما يقال : الله في كل مكان ، أي بعلمه ، وهو منزه عن الأمكنة. و (حَبْلِ الْوَرِيدِ) : مثل في فرط القرب ، كقول العرب : هو مني مقعد القابلة ، ومقعد الإزار. قال ذو الرمة :
والموت أدنى لي من الوريد
والحبل : العرق الذي شبه بواحد الحبال ، وإضافته إلى الوريد للبيان ، كقولهم : بعير سانية. أو يراد حبل العاتق ، فيضاف إلى الوريد ، كما يضاف إلى العاتق لاجتماعهما في عضو واحد ، والعامل في إذ أقرب. وقيل : اذكر ، قيل : ويحسن تقدير اذكر ، لأنه أخبر خبرا مجردا بالخلق والعلم بخطرات الأنفس ، والقرب بالقدرة والملك. فلما تم الإخبار ، أخبر بذكر الأحوال التي تصدق هذا الخبر ، وتعين وروده عند السامع. فمنها : (إِذْ يَتَلَقَّى
__________________
(١) سورة الأحقاف : ٤٦ / ٣٣.