أثر فيه ، (وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) : أي من نفسه لا مني ، فهو الذي استحب العمى على الهدى ، كقوله : (وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي) (١) ، وكذب القرين ، قد أطغاه بوسوسته وتزيينه. (قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَ) : استئناف أيضا مثل قال قرينه ، كأن قائلا قال : ما قال الله تعالى؟ فقيل : (لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَ) أي في دار الجزاء وموقف الحساب. (وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ) لمن عصاني ، فلم أترك لكم حجة.
(ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَ) : أي عندي ، فما أمضيته لا يمكن تبديله. وقال الفراء : ما يكذب لدي لعلمي بجميع الأمور. وقدمت : يجوز أن يكون بمعنى تقدمت ، أي قد تقدم قولي لكم ملتبسا بالوعيد ، أو يكون قدم المتعدية ، وبالوعيد هو المفعول ، والباء زائدة ، والتقديم كان في الدنيا ، ونهيهم عن الاختصام في الآخرة ، فاختلف الزمانان. فلا تكون الجملة من قوله : (وَقَدْ قَدَّمْتُ) حالا إلا على تأويل ، أي وقد صح عندكم أني قدمت ، وصحة ذلك في الآخرة ، فاتفق زمان النهي عن الاختصام ، وصحة التقديم بالحال على هذا التأويل مقارنة. (وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) : تقدم شرح مثله في أواخر آل عمران ، والمعنى : لا أعذب من لا يستحق العذاب.
وقرأ يوم يقول ، بياء الغيبة الأعرج ، وشيبة ، ونافع ، وأبو بكر ، والحسن ، وأبو رجاء ، وأبو جعفر ، والأعمش ، وباقي السبعة : بالنون ؛ وعبد الله ، والحسن ، والأعمش أيضا : يقال مبنيا للمفعول وانتصاب يوم بظلام ، أو بأذكر ، أو بأنذر كذلك. قال الزمخشري : ويجوز أن ينتصب بنفخ ، كأنه قيل : ونفخ في الصور يوم نقول ، وعلى هذا يشار بذلك إلى يوم يقول. انتهى ، وهذا بعيد جدا ، قد فصل على هذا القول بين العامل والمعمول بجمل كثيرة ، فلا يناسب هذا القول فصاحة القرآن وبلاغته. و (هَلِ امْتَلَأْتِ) : تقرير وتوقيف ، لا سؤال استفهام حقيقة ، لأنه تعالى عالم بأحوال جهنم. قيل : وهذا السؤال والجواب منها حقيقة. وقيل : هو على حذف مضاف ، أي نقول لخزنة جهنم ، قاله الرماني : وقيل : السؤال والجواب من باب التصوير الذي يثبت المعنى ، أي حالها حال من لو نطق بالجواب لسائله لقال كذا ، وهذا القول يظهر أنها إذ ذاك لم تكن ملأى. فقولها : (مِنْ مَزِيدٍ) ، سؤال ورغبة في الزيادة والاستكثار من الداخلين فيها. وقال الحسن ، وعمرو ، وواصل :
__________________
(١) سورة إبراهيم : ١٤ / ٢٢.