مُوسى) ، وهذا بعيد جدّا ، ينزه القرآن عن مثله. وقال الزمخشري أيضا : أو على قوله ، (وَتَرَكْنا فِيها آيَةً) (١) ، على معنى : وجعلنا في موسى آية ، كقوله :
علفتها تبنا وماء باردا
انتهى ، ولا حاجة إلى إضمار (وَتَرَكْنا) ، لأنه قد أمكن أن يكون العامل في المجرور (وَتَرَكْنا).
(فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ) : أي ازور وأعرض ، كما قال : (وَنَأى بِجانِبِهِ*) (٢). وقيل : بقوته وسلطانه. وقال ابن زيد : بركنه : بمجموعه. وقال قتادة : بقومه. (وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) : ظن أحدهما ، أو تعمد الكذب ، وقد علم أنه رسول الله صلىاللهعليهوسلم حقا. وقال أبو عبيدة : أو بمعنى الواو ، ويدل على ذلك أنه قد قالهما ، قال : (إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ) (٣) ، و (قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) (٤) ، واستشهد أبو عبيدة بقول جرير :
أثعلبة الفوارس أو رباحا |
|
عدلت بهم طهية والحشايا |
ولا ضرورة تدعو إلى جعل أو بمعنى الواو ، إذ يكون قالهما ، وأبهم على السامع ، فأو للإبهام. (هُوَ مُلِيمٌ) : أي أتى من المعاصي ما يلام عليه. (الْعَقِيمَ) التي لا خير فيها ، من الشتاء مطر ، أو لقاح شجر. وفي الصحيح : نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور. فقول من ذهب إلى أنها الصبا ، أو الجنوب ، أو النكباء ، وهي ريح بين ريحين ، نكبت عن سمت القبلة ، فسميت نكباء ، ليس بصحيح ، لمعارضته للنص الثابت عن الرسول صلىاللهعليهوسلم أنها الدبور.
(ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ) : وهو عام مخصوص ، كقوله : (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها) (٥) : أي مما أراد الله تدميره وإهلاكه من ناس أو ديار أو شجر أو نبات ، لأنها لم يرد الله بها إهلاك الجبال والآكام والصخور ، ولا العالم الذي لم يكن من قوم عاد. (إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) : جملة حالية ، والرميم تقدّم تفسيره في يس ، وهنا قال السدّي : التراب ، وقتادة : الهشيم ، ومجاهد : البالي ، وقطرب : الرماد ، وابن عيسى : المنسحق الذي لا يرم ، جعل الهمزة في أرم للسلب. روي أن الريح كانت تمر بالناس ، فيهم الرجل من قوم عاد ، فتنزعه
__________________
(١) سورة الذاريات : ٥١ / ٣٧.
(٢) سورة الإسراء : ١٧ / ٧٣ ، وسورة فصلت : ٤١ / ٥١.
(٣) سورة الشعراء : ٢٦ / ٣٤.
(٤) سورة الشعراء : ٢٦ / ٢٧.
(٥) سورة الأحقاف : ٤٦ / ٢٥.