ذلك قومه إلى اتباعهم والإيمان بهم ، واحتج عليهم بقوله : (اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ) : أي وهم على هدى من الله. أمرهم باتباع المرسلين ، أي هم رسل الله إليكم فاتبعوهم ، ثم أمرهم ثانيا بجملة جامعة في الترغيب ، في كونهم لا ينقص منهم من حطام دنياهم شيء ، وفي كونهم يهتدون بهداهم ، فيشتملون على خيري الدنيا والآخرة. وقد أجاز بعض النحويين في (مَنْ) أن تكون بدلا من (الْمُرْسَلِينَ) ، ظهر فيه العامل كما ظهر إذا كان حرف جر ، كقوله تعالى : (لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ) (١). والجمهور : لا يعربون ما صرح فيه بالعامل الرافع والناصب ، بدلا ، بل يجعلون ذلك مخصوصا بحرف الجر. وإذا كان الرافع والناصب ، سمعوا ذلك بالتتبيع لا بالبدل. وفي قوله : (اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً) ، دليل على نقص من يأخذ أجرا على شيء من أفعال الشرع التي هي لازمة له ، كالصلاة.
ولما أمرهم باتباع المرسلين ، أخذ يبدي الدليل في اتباعهم وعبادة الله ، فأبرزه في صورة نصحه لنفسه ، وهو يريد نصحهم ليتلطف بهم ويراد بهم ؛ ولأنه أدخل في إمحاض النصح حيث لا يريد لهم إلا ما يريد لنفسه ، فوضع قوله : (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي) ، موضع : وما لكم لا تعبدون الذي فطركم؟ ولذلك قال : (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) ، ولو لا أنه قصد ذلك لقال : وإليه أرجع. ثم أتبع الكلام كذلك مخاطبا لنفسه فقال : (أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) قاصرة عن كل شيء ، لا تنفع ولا تضر؟ فإن أرادكم الله بضر ، وشفعت لكم ، لم تنفع شفاعتهم ، ولم يقدروا على إنقاذكم فيه ، أولا بانتفاء الجاه عن كون شفاعتهم لا تنفع ، ثم ثانيا بانتفاء القدر. فعبر بانتفاء الإنقاذ عنه ، إذ هو نتيجته. وفتح ياء المتكلم في يردني مع طلحة السمان ، كذا في كتاب ابن عطية ، وفي كتاب ابن خالويه طلحة بن مطرف ، وعيسى الهمداني ، وأبو جعفر ، ورويت عن نافع وعاصم وأبي عمرو. وقال الزمخشري : وقرىء إن يردني الرحمن بضر بمعنى : إن يجعلني موردا للضر. انتهى. وهذا والله أعلم رأي في كتب القراءات ، يردني بفتح الياء ، فتوهم أنها ياء المضارعة ، فجعل الفعل متعديا بالياء المعدية كالهمزة ، فلذلك أدخل عليه همزة التعدية ، ونصب به اثنين. والذي في كتب القراء الشواذ أنها ياء الإضافة المحذوفة خطأ ونطقا لالتقاء الساكنين. قال في كتاب ابن خالويه : بفتح ياء الإضافة. وقال في اللوامح : إن يردني الرحمن بالفتح ، وهو أصل الياء عند البصرية ، لكن هذه محذوفة ، يعني البصرية ، أي المثبتة بالخط البربري بالبصر ،
__________________
(١) سورة الزخرف : ٤٣ / ٣٣.