لكونها مكتوبة بخلاف المحذوفة خطأ ولفظا ، فلا ترى بالبصر. (إِنِّي إِذاً) ، إن لم أعبد الذي فطرني واتخذت آلهة من دونه ، في حيرة واضحة لكل ذي عقل صحيح.
ثم صرح بإيمانه وصدع بالحق ، فقال مخاطبا لقومه : (إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ) : أي الذي كفرتم به ، (فَاسْمَعُونِ) : أي اسمعوا قولي وأطيعون ، فقد نبهتكم على الحق ، وأن العبادة لا تكون إلا لمن منه نشأتكم وإليه مرجعكم. والظاهر أن الخطاب بالكاف والميم وبالواو ، وهو لقومه ، والأمر على جهة المبالغة والتنبيه ، قاله ابن عباس وكعب ووهب.
وقيل : خاطب بقوله (فَاسْمَعُونِ) الرسل ، على جهة الاستشهاد بهم والاستحفاظ للأمر عندهم. وقيل : الخطاب في (بِرَبِّكُمْ) ، وفي (فَاسْمَعُونِ) للرسل. لما نصح قومه أخذوا يرجمونه ، فأسرع نحو الرسل قبل أن يقتل فقال ذلك ، أي اسمعوا إيماني واشهدوا لي به. (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ) : ظاهره أنه أمر حقيقي. وقيل : معناه وجبت لك الجنة ، فهو خبر بأنه قد استحق دخولها ، ولا يكون إلا بعد البعث ، ولم يأت في القرآن أنه قتل. فقال الحسن : لما أراد قومه قتله ، رفعه الله إلى السماء ، فهو في الجنة لا يموت إلا بفناء السموات وهلاكه الجنة ، فإذا أعاد الله الجنة دخلها. وقيل : لما قال ذلك ، رفعوه إلى الملك ، فطول معهم الكلام ليشغلهم عن قتل الرسل إلى أن صرح لهم بإيمانه ، فوثبوا عليه فقتلوه بوطء الأرجل حتى خرج قلبه من دبره وألقي في بئر ، وهي الرس. وقال السدي : رموه بالحجارة وهو يقول : «اللهم اهد قومي» ، حتى مات. وقال الكلبي : رموه في حفرة ، وردوا التراب عليه فمات. وعن الحسن : حرقوه حرقا ، وعلقوه في باب المدينة ، وقبره في سور أنطاكية. وقيل : نشروه بالمناشير حتى خرج من بين رجليه. وعن قتادة : أدخله الله الجنة ، وهو فيها حي يرزق. أراد قوله تعالى : (بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ* فَرِحِينَ) (١) : وفي النسخة التي طالعنا من تفسير ابن عطية ما نصه. وقرأ الجمهور : فاسمعون بفتح النون. قال أبو حاتم : هذا خطأ لا يجوز لأنه أمر ، فإما حذف النون ، وإما كسرها على جهة البناء. انتهى ، يعني ياء المتكلم والنون للوقاية. وقوله : وقرأ الجمهور وهم فاحش ، ولا يكون ، والله أعلم ، إلا من الناسخ ؛ بل القراء مجمعون فيما أعلم على كسر النون ، سبعتهم وشواذهم ، إلا ما روي عن عصمة عن عاصم من فتح النون ، ذكره في الكامل مؤلف أبي القاسم الهذلي ، ولعل ذلك وهم من عصمة. وقال ابن عطية : هنا محذوف تواترت به
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ١٦٩ ، ١٧٠.