الأحاديث والروايات ، وهو أنهم قتلوه ، فقيل له عند موته : (ادْخُلِ الْجَنَّةَ) ، وذلك ، والله أعلم ، بأن عرض عليه مقعده منها ، وتحقق أنه من ساكنيها ، فرأى ما أقر عينه ، فلما حصل ذلك ، تمنى أن يعلم قومه بذلك. انتهى. وقوله : (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ) كأنه جواب لسائل عن حاله عند لقاء ربه بعد ذلك التصلب في دينه فقيل : (ادْخُلِ الْجَنَّةَ) ، ولم يأت التركيب : قيل له ، لأنه معلوم أنه المخاطب ، وتمنيه علم قومه بذلك هو مرتب على تقدير سؤال عن ما وجد من قوله عند ذلك استيفاقا ونصحا لهم ، أي لو علموا ذلك لآمنوا بالله. وفي الحديث : «نصح قومه حيا وميتا». وقيل : تمنى ذلك ليعلموا أنهم كانوا على خطأ في أمره ، وهو على صواب ، فيندموا ويحزنهم ذلك ويبشر بذلك. وموجود في طباع النشر أن من أصاب خيرا في غير موطنه ، ودّ أن يعلم بذلك جيرانه وأترابه الذين نشأ فيهم. وبلغنا أن الوزير ذنك الدين المسيري ، وكان وزيرا لملك مصر ، راح إلى قريته التي كان منها ، وهي مسير ، وهي من أصغر قرى مصر ، فقيل له في ذلك ، فقال : أردت أن يراني عجائز مسير في هذه الحالة التي أنا فيها ، قال الشاعر :
والعز مطلوب وملتمس |
|
وأحبه ما نيل في الوطن |
والظاهر أن ما في قوله : (بِما غَفَرَ لِي رَبِّي) مصدرية ، جوزوا أن يكون بمعني الذي ، والعائد محذوف تقديره : بالذي غفره لي ربي من الذنوب ، وليس هذا بجيد ، إذ يؤول إلى تمني علمهم بالذنوب المغفرة ، والذي يحسن تمنى علمهم بمغفرة ذنوبه وجعله من المكرمين. وأجاز الفراء أن تكون ما استفهاما. وقال الكسائي : لو صح هذا ، يعني الاستفهام ، لقال بم من غير ألف. وقال الفراء : يجوز أن يقال بما بالألف ، وأنشد فيه أبياتا. وقال الزمخشري : ويحتمل أن تكون استفهامية ، يعني بأي شيء غفر لي ربي ، يريد ما كان منه معهم من المصابرة لإعزاز دين الله حتى قيل : إن قولك (بِما غَفَرَ لِي رَبِّي) يريد ما كان منه معهم بطرح الألف أجود ، وإن كان إثباتها جائزا فقال : قد علمت بما صنعت هذا وبم صنعت. انتهى. والمشهور أن إثبات الألف في ما الاستفهامية ، إذا دخل عليها حرف جر ، مختص بالضرورة ، نحو قوله :
على ما قام يشتمني لئيم |
|
كخنزير تمرغ في رماد |
وحذفها هو المعروف في الكلام ، نحو قوله :
على م يقول الرمح يثقل كاهلي |
|
إذا أنا لم أطعن إذا الخيل كرت |