وإن لم يصدر منه الذي خلق له ، كما تقول : القلم مبري لأن يكتب به ، وهو قد يكتب به وقد لا يكتب به ، وقال الزمخشري : إلا لأجل العبادة ، ولم أرد من جميعهم إلا إياها. فإن قلت : لو كان مريدا للعبادة منهم ، لكانوا كلهم عبادا. قلت : إنما أراد منهم أن يعبدوه مختارين للعبادة لا مضطرين إليها ، لأنه خلقهم ممكنين ، فاختار بعضهم ترك العبادة مع كونه مريدا لها ، ولو أرادها على القسر والإلجاء لوجدت من جميعهم. انتهى ، وهو على طريقة الاعتزال. وقال مجاهد : (إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) : ليعرفون. وقال ابن زيد : لأحملهم في العبادة على الشقاوة والسعادة. وقال الربيع بن أنس : إلا للعبادة ، قال : وهو ظاهر اللفظ. وقيل : إلا ليذلوا لقضائي. وقال الكلبي : إلا ليوحدون ، فالمؤمن يوحده في الشدة والرخاء ، والكافر في الشدة. وقال عكرمة : ليطيعون ، فأثيب العابد ، وأعاقب الجاحد. وقال مجاهد أيضا : إلا للأمر والنهي.
(ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ) : أي أن يرزقوا أنفسهم ولا غيرهم. (وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) : أي أن يطعموا خلقي ، فهو على حذف مضاف ، فالإضافة إلى الضمير تجوز ، قاله ابن عباس. وقيل : (أَنْ يُطْعِمُونِ) : أن ينفعون ، فذكر جزءا من المنافع وجعله دالا على الجميع. وقال الزمخشري : يريد إن شأني مع عبادي ليس كشأن السادة مع عبيدهم ، لأن ملاك العبيد إنما يملكونهم ليستعينوا في تحصيل معايشهم وأرزاقهم بهم ؛ فإما مجهز في تجارة يبغي ربحا ، أو مرتب في فلاحة ليقتل أرضا ، أو مسلم في حرفة لينتفع بأجرته ، أو محتطب ، أو محتش ، أو مستق ، أو طابخ ، أو خابز ، أو ما أشبه ذلك من الأعمال والمهن التي تصرف في أسباب المعيشة وأبواب الرزق. فأما مالك ملاك العبيد فقال لهم : اشتغلوا بما يسعدكم في أنفسكم ، ولا أريد أن أصرفكم في تحصيل رزقي ولا رزقكم ، وأنا غني عنكم وعن مرافقكم ، ومتفضل عليكم برزقكم وبما يصلحكم ويعيشكم من عندي ، فما هو إلا أنا وحدي. انتهى ، وهو تكثير وخطابة. وقرأ ابن محيصن : (الرَّزَّاقُ) ، كما قرأ : وفي السماء رازقكم : اسم فاعل ، وهي قراءة حميد. وقرأ الأعمش ، وابن وثاب : (الْمَتِينُ) بالجر ، صفة للقوة على معنى الاقتدار ، قاله الزمخشري ، أو كأنه قال : ذو الأيد ، وأجاز أبو الفتح أن تكون صفة لذو وخفض على الجوار ، كقولهم : هذا جحر ضب خرب.
(فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) : هم أهل مكة وغيرهم من الكفار الذين كذبوا الرسول صلىاللهعليهوسلم ، ذنوبا : أي حظا ونصيبا ، (مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ) : من الأمم السابقة التي كذبت الرسل